إثنان أحلاهما مر !
بقلم ياسر الفادني
الصراع السياسي المحتدم الذي إتضح جليا الآن وتمايزت فيه الصفوف هو الصراع الدائر بين القوات النظامية والشارع ، القوات النظامية التي تعتقد أنها وصية علي حفظ الأمن في هذه البلاد وحماية الممتلكات العامة من يد التخربب ومحاربة الفوضى التي تتشكل الآن بطرقها المختلفة ، الشارع الذي إرتفع سقف مطالبه بلاءاته الثلاثة والذي يصر علي تنفيذها وكل يوم يخرج موكبا والمحصلة فقدان للأرواح وإصابات وخراب يطال الشوارع وشلل كامل يصيب الخرطوم
الأحزاب السياسية التي طلقت و أعلن عن طلاقها البائن في قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر تحاول اللحاق بموجة الشارع وتسخر آلياتها الإعلامية التي تساند الشارع وتصدر كل مرة بيانات و ينشر عرابوها تغريدات تتمثل في إدانة القوات النظامية ووصفها بالقمع المفرط تجاه المتظاهرين وبعد ذلك تمطر بدموع التماسيح علي من فقدوا كما ذرفتها من قبل وتجاهلتهم ، الشارع الذي نراه الآن رفضها تماما وكل مرة ينزع و ينفض طينها الذي كل مرة يسعي للإلتصاق بجسمه ولا يزالون
بين هذا وذاك يُفْرَضُ واقعا مرا كالعقلم وهو الوضع المتردي الذي كل يوم يتصاعد ويزيد ، معاناة في كل شييء في ظل قفل الكباري و التتريس الذي يتبعه الطرفان ، مؤسسات حكومية أصابها الشلل الكامل وشركات خاصة لها إلتزامات داخلية وخارجية تعطلت أعمالها جراء إنقطاع الإنترنت والاتصالات كلما تسمع الأجهزة الأمنية هيعة موكب سوف يسير ، المواطن الذي يخرج بكورا يبحث عن رزق له يطعم به من يعولهم الآن تعذر ذلك تماما جراء الإحتدام السياسي الذي أصبح يتكرر والمواكب التي صار لها جدول بزمانه ومكانه كجدول حصص المدارس التي هي أيضا تأثرت بذلك
لا حكومة مدنية الآن ظاهرة في العمل التنفيذي ، حمدوك إتكيء جانبا علي ركن قصي وظل يرتجف ويحمي نفسه من موجة البرد السياسية القاسية التي اجبرته علي الإستقالة ، جاء فاشلا وظل فاشلا وذهب يجر أذيال الفشل الذريع فلا بواكي عليه ، الحركات المسلحة منها الداعم للقوات النظامية ومنها من يلتزم جانب الصمت ومنها المتفرج ومنها المترقب ومنها الذي يصفق للعبة الحلوة ومتي تنتهي اللعبة ليكون جزاءا منها
نحن صرنا الآن بين سندان القوات النظامية ومطرقة الشارع ، كليهما يصران علي مايفعلان ولا حلول ، ظل المشهد يتكرر ولا جديد ، الأمر صار مقعدا وكل يوم يزداد تعقيدا ، لا أعتقد أن الوساطات الخارجية يمكن أن تلعب دورا في إطفاء أوار هذا الصراع لأن لهم وجه ظاهر وآخر باطن الوجه الظاهر أنهم يدعون سلاما وأمنا واستقرارا لبلادنا والوجه الباطن هو النظر إلي مصالح بلادهم و من ينفذها لهم داخل طرفي الصراع أو خارجهما
المخرج من هذا الوضع السياسي المزري ظهور عقلاء سياسين وراشدين خارج الدائرتين ، عقلاء صادقين وخالصين لهم وزنهم السياسي ويحظوا بقبول الطرفين ويتحملون الامانة بتجرد ونزاهة همهم الوطن وإستقراره وأمنه أولا ، شخصيات تتحمل شطط القول هنا وهناك ويفهمون جيدا أن الحَجٌَاز ربما ( ياخذ عكازا ) !، شخصيات تجلس مع كل الأطراف وتسمع وتقيم وتقوم وتوفق ، شخصيات همها التوافق الوطني الشامل فالبلاد ليس ملكا لأحد وليست ملكا لحزب سياسي وليست ملكا للقوات النظامية كل له دور وكل له هدف إن كان يريد استقرارا لهذا الوطن ، الذي يحدث الآن يقود البلاد إلي الفوضى وإلي التشظي وليس هناك منتصر أبدا ولا مهزوم لكن المهزوم هو الوطن و المهزوم هو المواطن فيا من في بلادي أتفقوا علي كلمة سواء بينكم …. إني لكم لمن الناصحين اللهم إني قد بلغت فاشهد.