البيان الختامي للملتقى الثالث للمؤتمر الإفريقي لتعزيز للسلم
نواكشوط 24-26 جمادى الآخرة 1444هـ، 17-19 يناير 2023.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد،
فانطلاقا من قول الله عز وجل (ياَ أيَهَُّا الذَِّينَ آمَنوُا ادخُلوُا فيِ السِلمِ كَافةَّ وَلَا تتَبَِّعوُا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ ۚ إِنهَُّ لكَُم عَدُو مُّبِين)، سورة البقرة: 208.
واستجابة للتحديات الوجودية التي تواجه الإنسانية جمعاء، من تحديات الصحة والقتصاد إلى تحديات الأمن والحروب والتوترات الحاصلة في مناطق من العالم ، واستشعارا للحاجة إلى تكامل الجهود، كل من موقعه ودائرة تأثيره، للإسهام في استعادة الضمير الأخلاقي للإنسانية، الذي يعيد الفاعلية لقيم الرحمة والغوث ومعاني التعاون والإحسان.
ووعيا بأهمية معالجة نزغات الحروب في العقول ونزعاتها في النفوس قبل أن تتحول إلى أفعال تدمر البلاد وتفني العباد ،
واستثمارا لما راكمه المؤتمر الإفريقي من نتائج في دوراته السابقة، وما ظل يسعى له من توفير فَضاء للعلماء والباحثين العاملين على نشر رسالة السلم والتعاون على الخير في القارة،
انعقد بنواكشوط الملتقى الثالث لـ”المؤتمر الإفريقي للسلم” تحت شعار ” ادخلوا في السلم كافة” من 24 إلى 26 جمادى الآخرة سنة 1444هـ الموافق لـ 17 إلى 19 يناير 2023، برعاية كريمة من فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية وبدعم كريم ومتواصل من دولة الإمارات العربية المتحدة وبإشراف معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس المؤتمر الافريقي لتعزيز السلم، رئيس منتدى أبوظبي للسلم.
وقد شارك في أشغال الملتقى مئات المشاركين ما بين رؤساء ووزراءَ وممثلي منظمات أممية، ومسؤولي منظمات إسلامية، وسفراءَ وممثلي هيئآت حكومية ومراكَزَ ومنظمات دولية، ومفتين، وعلماء، وقضاة ، ومفكرينَ ، وشخصيات أكاديمية، وإعلاميين، وغيرِهم. كما حظي الملتقى بمتابعة لجلساته وأعماله عبر المنصات الإلكترونية و مواقع التواصل الجتماعي.
وقد افتتح الملتقى بكلمة ضافية لفخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية ، جاء فيها” إن الدفاع عن السلام، والأمن والستقرار، ليكون ناجعا وفعال إلى التحصين القوي لعقول الأفراد، ووجدان المجتمعات، في وجه الخطابات الممجدة للعنف على اختلاف أشكالها. وهو مايتطلب عملا دؤوبا على ترسيخ قيم التسامح، والانفتاح، والعدل، والتآخي، التي هي أساس ديننا الإسلامي الحنيف وجوهر كل الديانات السماوية”.
كما ألقى معالي الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى أبوظبي للسلم كلمة تأطيرية في مفتتح الحفل، وألقى فخامة فخامة ُ السيد محمدو بخاري، رئيس جمهورية نيجيريا التحادية كلمة قيمة، وتوالت كلمات الجلسة الافتتاحية تعاقب عليها كل من فخامة رئيس جمهورية غينيا بيساو ألقاها بالنيابة عنه معالي سواريس صمبو نائب رئيس وزراء جمهورية غينيا بيساو، ورئيسي جمهورية النيجر فخامة السيد محمد بازوم ورواندا فخامة السيد بول كاغامي بكلمات مسجلة، ليتناولها معالي حسين إبراهيم طه- أمين عام منظمة التعاون الإسلامي ، ومعالي الدكتور محمد مختار جمعة ، وزير الأوقاف المصري وسعادة رشاد حسين، سفير الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأمريكية.
وقد خصص المؤتمر الإفريقي لهذه السنة جائزة أطلق عليها ’’جائزة السلم في إفريقيا‘‘ حظي بشرف تسلمُِّ نسختها الأولى فخامة ُ السيد محمدو بخاري، رئيس جمهورية نيجيريا التحادية، تكريما لجهود فخامته وجمهورية نيجيريا المشهودة في نشر ثقافة السلم في القارة وخلق الوساطات ودعم المفاوضات.
فيما شارك في حفل الختام معالي السيد محمد الأمين ولد آبي ولد الشيخ الحضرامي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي في موريتانيا، ومعالي السيد محمد كوني الشؤون الدينية المالي، وفضيلة الشيخ أحمد النور الحلو، مفتي جمهورية تشاد بكلمات ضافية.
وعقب الجلسة الفتتاحية، انطلقت أشغال المؤتمر على مدى ثلاثة أيام 17 و18 و19 يناير 2023 باشر فيها المؤتمرون في جلساتهم العامة ووُرشِهم معالجة جوانب تبحث سبلُ إحقاق السلم بإزالة معيقاته ورفع موانعه لتحقيق الشعار الذي رفعه المؤتمر الإفريقي لهذا العام بصيغة الدعوة الإلهية: ياَ أيَهَُّا الذَِّينَ آمَ نوُا ادخُلوُ ا فيِ السِلمِ كَافةَّ وَلَا تتَبَّعِوُا خُطُوَا تِ الشَّيطَانِ ۚ إِنهَّ ُ لكَُم عَدُو مُّبيِن (البقرة، 208) . ومن بين المحاور الكبرى ما يلي:
جغرافية الأزمات في القارة الإفريقية؛ الحوار والمصالحات: التأصيل والتنزيل ؛ تصحيح وترشيد المفاهيم ؛ السلم في التراث الإفريقي؛ دور المؤسسات التعليمية في تعزيز السلم ؛ التنمية على بساط السلم وقضايا الشباب والهجرة غير الشرعية.
كما أقيمت على هامش الملتقى قمة “الشباب الإفريقي: صناع السلام”، والتي عقدت تحت الرعاية السامية للسيدة الأولى، مريم فاضل الداه، وشارك فيها نخبة من المسؤولين والقيادات الشبابية من مناطق مختلفة من العالم.
وقد خلص المشاركون في الملتقى الثالث للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم 2023م، بعد تبادل وجهات النظر في القضايا المدروسة، مستحضرين خصوصية الظرفية القليمية والعالمية التي تلوح في أفقها مآلت المجتمع الإنساني مفتوحة على احتمالت مرهوبة ومرغوبة، إلى ما يلي:
أول – النتائج:
يستمد هذا المؤتمر خصوصيته من أهمية موضوعه ونوعية المشاركين فيه ومن الظرفية الزمنية التي ينعقد فيها؛ وذلك في وضع إقليمي ودولي مضطرب يزيد من مستوى التحديات التي تواجه ساكنة القارة بشكل خاص والبشرية جمعاء.
أكدت الأزمات الراهنة والتوترات الحاصلة أن السلم كل لا يتجزأ، وأن أي إخلال به ستنعكس آثاره على البشرية في كل مكان. يأتي اختيار قوله سبحانه وتعالى “ياَ أيَهَُّا الذَِّينَ آمَنوُا ادخُلوُ ا فيِ السِلمِ كَافةَّ “، شعارا لهذا المؤتمر من كون هذه الآية الكريمة أمرا إلهي يدعو المؤمنين كافة للدخول في السلم، في عبارات بليغة، واستعارات رائعة، تبرز مقصدية السلم وأوليته، حيث تمثل السلم ببيت فسيح يتسع للجميع، وتكني عن حالة النخراط في المصالحة والسلام بالدخول. في وصف مبين في الحث على السلم والدعوة إلى الإنخراط فيه، والتحذير من نزغات شياطين الحروب ووساوسهم.
لقد صارت قارتنا أحوج من غيرها في وقتها الراهن إلى شيء واحد تقوم عليه باقي الحاجات ألا وهو الخروج من دوامة العنف وإيقاف الحروب الدائرة؛ فموضوع البحث عن السلم ضرورة ، وواجب وقت وليس ترفا ولذلك ندعو إلى السلم باعتباره ممكنا، بل باعتباره أمرا لابد منه، فالسلام هو النهج وهو الغاية. لقد نبهت النزاعات الحاصلة إلى أهمية الحوار لحل المشكلات البشرية ليكون اللسان بدل الاسنان ، والكلام بدل الحسام، أداة لفصل الخصومات وفض النزاعات.
لقد أيقن الجميع أن السعي لإحلال السلم وجلب العافية يقتضيان التوعية والتنبيه إلى أولوية السلم وضرورة حقن الدماء، وإلى العمل على المبادرات الرامية إلى حل المعضلات ومعالجة الاشكالات المسببة لعدم استقرار الأوطان سواء الفكرية منها أو السياسية. ينبغي أن يتخذ الحوار أبعادا ثلاثة:
بعد يتولى تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة من قبيل الجهاد والولاء والبراء والتكفير وما إليها؛ وبعد يشرك الفاعلين السلميين مع القادة في إجراء المفاوضات وإقامة المصالحات؛ وبعد ينخرط في جعل التنمية عونا على مواجهة العنف والتطرف بإنشاء المشاريع المدرة للربح والتي تخلق فرصا للشغل.
من أهم أسباب التباس المفاهيم الشرعية التي يستخدمها حملة الخطاب العنيف فكريا وعمليا هو فك الارتباط بين خطاب التكليف وخطاب الوضع أي فك العلاقة بين تطبيق الأحكام وبين مقتضيات المكان والزمان ومآلت المصالح والمفاسد. ينبغي الشتغال على التأصيل والتوصيل، أي تأصيل المفاهيم وتوصيلها لشرائح المجتمع المختلفة تعليما وتذكيرا بشكل واضح ومناسب ودقيق. لا شك أن هذا الجهد الفكري والعملي لابد أن يرفده جهد تنموي يعمل على مساعدة المتضررين وتشغيل العاطلين وتعزيز دور الدولة وزيادة حضورها .
نوجه نداء إلى الدول الكبرى الصديقة لإفريقيا والمنظمات الدولية المعنية بها إلى دعم جهود السلم والتنمية في القارة. ينبغي أن يحظى الجانب الروحي بالهتمام الكافي في معالجة ظاهرة الارهاب والعنف الذي تواجهه دولنا بالتوازي مع الحلول المادية الآخرى المفيدة من خلال العناية بالتربية الروحية للأجيال الناشئة وترسيخ قيم الرحمة والتواضع والكرم والتعاون في النفوس ليحل التفاهم محل التصادم، والحوار بدل القتال، والعطف والشفقة مكان القسوة والغلظة.
وختاما، نقول لأهلنا في افريقيا حكاما ومحكومين، علماء ومتعلمين ” ادخُلوُا فيِ السِلمِ كَافةَّ، واستجيبوا لأمر الله السلام في الانخراط في السلام، ودعم جهوده، ودعوة الناس إليه.
لدينا الثقة الكاملة في أن قارتنا الإفريقية تستطيع بما تتميز به من الثراء الثقافي، وبما أوتيت من تعدد الروافد الحضارية، وتنوع النظم الجتماعية، أن تبتكر مشروعا فكريا متكاملا لإطفاء نيران الاحتراب، والتصدي للتطر ف الذي تكاد حرائقه تلتهم مناطق واسعة من قارتنا الخضراء.
ثانيا – التوصيات
وقد خلص المشاركون إلى جملة من المقترحات والتوصيات نوردها كما يلي:
ندع إلى التعريف وتسليط الضوء على النماذج الإيجابية، وتشجيع المبادرات الناجحة في مجالت السلم والمصالحات على مستوى قارة إفريقيا. نوصي باعتماُدُ الحوار وسيلة وحيدة لحل النزاعات والصراعات في العالم بالاستناد الى قوة المنطق لا إلى منطق القوة. التنسيق مع الجامعات المرموقة في القارة للقيام بسلسلة من الندوات والورش الأكاديمية لتعميق البحث العلمي في مفاهيم السلام والتعايش بين مختلف مكونات المجتمع.
ندعو إلى تعزيزُ وتفعيلُ دور الشباب والنساء في بناء السلم المحلي، والإسهام في رسم السياسات وبناء الشراكات لتعزيز استقرار المجتمعات وحفظ السلم فيها.
نوصي بإنشاءُ وتنظيم قوافل للسلام يقودها الأئمةُ والوجهاءُ من مختلف العرقيات والقبائل ليكونوا رسل وئام وسلام في المناطق التي تعاني من الحروب الأهلية والصراعات الدموية.
نشيد بنموذج دولة الإمارات في التسامح والتعايش، ونوصي بأهمية الاستلهام من هذا النموذج الذي تتعايش في كنفه عشرات الأديان والثقافات والأعراق المختلفة، ومئات الجنسيات في أمن وأمان ومودة واحترام. نوصي بإنشاء جامعة لتدريس العلوم الشرعية وتصحيح المفاهيم وفق شعار “العلم قبل العمل.”
نحث على تعزيز الشراكات والتعاون، وتنسيق الجهود بين الهيئات والمنظمات العاملة في صناعة السلم والتسامح والعيش المشترك في القارة. ندعو إلى تخصيص منح لدعم البحوث والدراسات في مجال استراتيجيات تعزيز السلم. نوصي بإدراج قيم السلم والتسامح في مناهج التربية والتعليم بالدول الفريقية، والتعاون في ذلك مع المؤسسات القليمية والدولية ذات الاختصاص.
نقترح احتضان العواصم الافريقية لورش عمل طيلة السنة تحت إشراف المؤتمر الافريقي للسلم وبتنسيق مع الحكومات والمنظمات العاملة في المجال. نوصي بإنشاء فرع لحلف الفضول الجديد في أفريقيا ليكون إطار للتعاون في نشر قيم التسامح والسلم بين القيادات الدينية والفعاليات الشبابية من مختلف دول القارة. ندعو إلى إنشاء إذاعة في الدول الإفريقية لبث رسائل السلم والتوعية بمقاهيم الشريعة السمحة وإيصالها إلى مختلف شرائح المجتمع وبجميع اللغات.
وفي الختام يوجه العلماء والمثقفون والفاعلون المشاركون في هذا المؤتمر، نداء حارا باسم الإسلام والأخوة الانسانية لإيقاف الحروب والعنف في القارة الإفريقية صونا للدماء ويدعون للجوء إلى الحوار والوسائل السلمية لحل المشاكل والاشكالات والاحتكام إلى العقل والحكمة والمصلحة.
ويطيب للمشاركين في الملتقى الثالث لـ”المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم” أن يعبروا عن صادق شكرهم وجزيل ثنائهم لحكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية على رعايتها الكريمة، ويرفعوا عبارات امتنانهم إلى فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على كريم العناية وجميل الرعاية التي حظي بها ضيوف هذا المؤتمر، كما يشكر المشاركون فخامة الرئيس محمدو بخاري -رئيس جمهورية نيجيريا التحادية على تشريفه للمؤتمر ورؤساء النيجر ورواندا وغينيا بيساو على مشاركتهم القيمة في أعمال المؤتمر. ويتوجهون بعظيم الامتنان إلى القائمين على المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم على جهودهم المتميزة في انجاح أعمال هذا المؤتمر.
داعين الله أن يحفظ الأوطان، وينشر الأمن والأمان، ويصلح الأعمال، ويحقق الآمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وحرر بأنواكشوط في 26 جمادى الآخرة 1444 هـ الموافق لـ 19 يناير 2023م
لجنة البيان الختامي.