الحرب والهزيمة النفسية
د. أحمد عبد الباقي
يَنْظُرُ إلى مصطلح الانهزام النفسي لغة بوصفه تجسيدا لحالة الانكسار والتشقق، نقول انهزم العدو: انكسرت شوكته، وشق صفه، وانتصر عليه، فهو منهزم، ومهزوم، والهزيمة في القتال: الكسر، والفل. ويرتبط مصطلح الانهزام النفسي بهذا المعنى باحتقار الذات، والاحتقار لغة: الإذلال، والإهانة، والتصاغر، والانهزامية بوصفها حالة نفسية تصف الشخص الذي يعترف بعجزه وبتوقع الفشل، وتنعدم لديه روح المقاومة بسبب اقتناعه بأن لا طائل من بذل أي مجهود لتغيير واقع ما، مع شعوره بأن الخسارة مؤكدة ولا سبيل إلى تفاديها.
الانهزامية (Defeatism) بصورة عامة في علم النفس تعني الشعور بالخسارة واليأس في تحقيق تقدم، ولو قليلا في أمر ما، والانهزامیون هم من تتملكهم الروح الانهزامية، فصاروا يفقدون الأمل في أي شيء ويشعرون باليأس، والإحباط؛ ومن ثم يدفعهم ذلك إلى البحث عن حلول إما بالهروب للماضي والعيش فيه والتغني بأمجاده، أو الاستكانة للواقع والرضا به وبعضهم يلجأ إلى الحيل الدفاعية، وهي في علم النفس مجرد حيل لا شعورية يلجأ إليها الفرد لتكسبه الراحة والهدوء، مبتعداً عن الطرق الواقعية في حل مشكلة ما، فيلجأ إلى استخدام طرقٍ لا شعورية تقية القلق الناجم عن الأزمة، حتى لا يختل توازنه النفسي.
الانهزامية والحرب النفسية
ارتبطت الحروب بعمليات نفسية تمثلها الحرب النفسية التي تهدف إلى إلحاق الهزيمة بالعدو نفسيا دونما بذل مجهود عسكري يذكر ودونما تحمل لخسائر مادية أو بشرية، بإفقاد العدو الإرادة النفسية للقتال والتأثير في الرأي العام المساند له، وارتبط بهذا الأمر بصياغة تعبير “الحرب القادمة ستبدأ في عقول البشر، وستنتهي أيضا في عقول البشر”. والحرب النفسية تعمَد إلى بث الهزيمة النفسية عبر الاستخدام المدبر لفعاليات معينة معدة للتأثير في آراء وسلوك مجموعة من البشر، بهدف تغيير نهج تفكيرهم وأساليب انفعالهم وفعلهم لتحدث حالة من الانهيار المعنوي والاستسلام النفسي وما يصاحبه من انعدام الفاعلية وفقدان الهمة وتحقير الذات واستصغارها والاستهانة بها، وبالتالي فقدان أية إرادة لتغيير الوضع القائم والرضا بالدنية والدونية في المكانة مع تثبيت هذا الشعور بإعادة تثقيف العدو المهزوم بثقافة المنتصر.
يستمر العدو بالطرق على تأثير الحرب النفسية، حتى يتقبل الفرد الهزيمة دون مقاومة، فيصبح يترقب تلك الهزيمة المعنوية وتسليمه بحتميتها؛ وبالتالي من الأسلم في رأي المنهزم نفسيا توفير الجهد وتقبل الحال بالصورة التي هو عليها مع العلم أن أساليب الحرب النفسية لا تهدف إلى الإقناع، بل كل غايتها تحطيم القوى المعنوية والنفسية للخصم وترسيخ مشاعر الهزيمة النفسية في بنية الخصم النفسية.
بإسقاط مفهوم الهزيمة النفسية كإحدى أهداف الحرب النفسية، سنجد أن هذا عين ما يجري في السودان، حيث عمد التمرد إلى شن حرب نفسية ضاربة أعد لها جيدا، ولم تكن اعتباطا أو ارتجالا، بل منظمة ومرتبة بخبرات عالمية اُسْتُخْدِمْتُ فيها وسائل التواصل الاجتماعي لبث الهزيمة النفسية وسط الرأي العام السوداني قبل الجيش المقاتل لإبعاده عن حاضنته الاجتماعية ولكن هيهات.
تمكنت الهزيمة النفسية عند بعض أفراد الشعب السوداني، فبدأ بعضهم يبحث عن مبررات لتفادي التفكير الواقعي في مجابهة حالات النهب والسرقة والاغتصاب واحتلال بيوت المواطنين وإخراج أهلها منها قسرا تحت تهديد السلاح بصورة مهينة دخليه على أخلاق الشعب السوداني، فوقع هؤلاء المبرارتية فريسة لحرب التمرد النفسية، وأصابتهم الهزيمة النفسية، واستهوتهم شعاراته الكذوبة وانتصاراته الوهمية، وطفق بعضهم يدبج المبررات تحت شعارات واهية لا يعرف كيف السبيل إلى تحقيقها، فرفع شعار “لا للحرب”، نعم صحيح “لا للحرب”، ولكن كيف السبيل إلى ذلك وبيوتنا مغتصبة وأعراضنا منتهكة وأموالنا مستباحة؟ وبعضهم يلجأ إلى ما يعرف ب “حجوجة أم ضبيبينة” فيحدثك عن تاريخ الدعم السريع الذي أنشأه الإسلاميون، ولكنه يغض الطرف عن جرائم التمرد ضد الشعب كله، رغم أن التمرد يرفع شعارات كذوبة مثل أن حربه ضد “الكيزان والفلول” وأنه ضد دولة 56، وأنه ضد التهميش، وإلى ما ذلك من التدليس والخداع الممنهج.
جرائم التمرد موجهة ضد الشعب كله بلا استثناء، فالسؤال موجهة لمن انهزم نفسيا: هب أنك وجدت متمردين ينتهكون عرض نسائك، ويغتصبون أموالك ويحتلون بيتك، ويقتلون أبناءك، فهل من المنطق والعقل أن تحدثهم عن تاريخ من كونهم وسلحهم إلي أخ… أم أن تدافع عن شرفك، وتحمي عرضك وأهلك وأموالك، لكنه يبدو أن البعض اختار أن يقول: دعونا من كل تلك الجرائم، بل يجب الحديث عن أن الدعم السريع وتاريخ تكوينه وهلم جرا.
أليس من الأهمية بمكان ترتيب الأولويات في حماية العرض والديار والأموال والتخلص من خطر التمرد الماثل؛ اليس من الاهمية التحلي بالوعي وضرورة رفض دور الضحية وجلادها وتجنب الوقوع في فخ التغفيل النافع في التعامل مع الرسائل والأخبار التي ترد وتتكرر عن قصد في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأنها مقصودة لذاتها وموجهة للتأثير في الرأي العام السوداني من خلال بث الهزيمة النفسية وإضعاف الروح المعنوية؛ وبالتالي بث اليأس وقبول الهزيمة الوهمية.
الحل يكمن في توحد الجبهة الداخلية، وأن ينظم الشعب السوداني نفسه وبكل فئاته، وفي جميع نجوعه والاصطفاف في مقاومة شعبية تتعاون مع الجيش في حماية العرض والأنفس والأموال، وفي ذات الوقت تشكل رأيا عاما ضد الرضوخ لأي إملاءات خارجية في شروط التفاوض مع التمرد والتمسك بضرورة أن يشمل الحل خروج التمرد من كل الأعيان المدنية وبيوت المواطنين، ورد الحقوق وجبر الضرر والتأكيد على عدم الإفلات من العقاب؛ ومن ثم الالتفات للحلول السياسية.