بين نكران الذات وطبيعة التطلعات زيارة كوهين وسجال القدح والمدح
تقارير المسار
زيارة وزير الخارجية الاسرائيلي إيلي كوهين في الثاني من الشهر الجاري للخرطوم ، وجهرية لقاءاته بالمسئولين وعلى رأسهم رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان لا يجب قراءتها خارج سياقين ؛ يرتبط أحدهما بأطوار العلاقات العربية – الإسرائيلية ، والثاني بانفتاح السودان على العالم مؤخراً لتحقيق التطلعات المشروعة للأمة .
خواتيم أغسطس من العام 1967 استضافت الخرطوم قمة العرب على خلفية نكسة ذات العام ، وكانت أهم نتائجها اللاءات الثلاث ؛ لا صلح لا اعتراف لا تفاوض مع إسرائيل قبل عودة الحق لأصحابه .
وبعد مرور خمسة سنوات على انتصار أكتوبر العام 1973 برمت مصر بتطاول حالة اللاسلم واللاحرب لتوقع اتفاقية كامب ديفيد العام 1978 التي تلتها اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية العام 1979.
وخلال العام 1993 أدرك الفلسطينيون أن استرداد حقوقهم عبر الحرب قد لا تمثل أمراً واقعياً ، ذلك أن بقاء إسرائيل أصبح أمراً واقعاً ، وفق فرضيةٍ تقول أن الأمر الواقع هو ما يصعب جداً إن لم يستحيل تغييره . وجاءت اتفاقية أوسلو عبر التفاوض السري بالعاصمة النرويجية لتتوج باتفاقية واشنطن في عهد الرئيس الأسبق بيل كلنتون .
ومنذ ذلك الحين لم تعد لاءات الخرطوم خطوطاً حمراء ، ويتمظهر ذلك في العديد من اللقاءات السرية وبعض العلنية بين مسئولين عرب واسرائيليين ، واحتدم الصراع بين الانحياز للاءات وبين تجاوزها تحقيقاً لتطلعات الشعوب العربية .. ولم يعد الالتفاف على اللاءات أو تجاوزها تنكراً للثوابت كما كان عليه الحال عشية توقيعها .
رغم ذلك فقد استمسك بها السودان أخلاقياً عبر معيارٍ نفسيٍ كونها انطلقت من الخرطوم .
ومع مرور السنوات لم تخف الاضابير مساعيٍ سودانيةٍ من الفاعلين إن تكن قيادات حزبية أو حركات مسلحةٍ نحو التواصل سراً مع إسرائيل .
ظل السودان يطالب بأن يُضرس فيما يأكل الآخرون الحصرم ، وأن يتكاثف الغبار وتكال الاتهامات كلما حضر حديث التقارب مع إسرائيل..
وظل المطلوب منه أن يستمر ملكياً أكثر من الملك ، كم أن حساب الحقل والبيدر متاحٌ للكل الا عاصمة اللاءات.
وفي أعقاب الثورة حل اصحاح بيئة العلاقات الخارجية كأولويةٍ ، لكن فريق الهواة الذي دانت له الساحة لثلاث سنوات أعماه صراع الوجود عن ملف العلاقات الخارجية.. ثم أن الحياة بدأت تدب رويداً عبر زيارات الفريق البرهان بدءاً ببريطانيا ، ثم نيويورك ، وآخرها تشاد .. وعلى المستوى الأفريقي استمر تواصل الفريق إبراهيم جابر مع العديد من العواصم ..
وتمضي المعادلة مستقرة الميزان بين الشرق والغرب ، والبلاد تتوقع زيارة وزير خارجية روسيا ، أحد دهاقنة السياسة الخارجية في العالم بالتزامن مع زيارة ستة مبعوثين غريبين..
ويحق للمراقب أن يأخذ على القادحين في التطبيع رغم اختلافاتهم الفكرية والسياسية طوال الخمسة عقودٍ المنصرمة اتفاقهم على ضرورة اصحاح العلاقات السودانية – الأمريكية ، وفي غضون ذلك اللهاث يسقطون عمداً ما بين أمريكا وإسرائيل.
زيارة كوهين للخرطوم لم تحاط بهالة من السرية على نسق السوالف على المستويين العربي والسوداني ، بل أنها جاءت في وضح النهار بالصور والبيانات الرسمية ، بلسان حالٍ يقول أن السودان وقف مهيباً كنصل السيف يوم أن حافظ العرب على لاءاتهم ، ثم أنه انحاز لمصلحة شعبه عقب فتور اللاءات .. وفي غضون ذلك يظل مستمسكاً بكامل الحقوق الفلسطينية وإقامة دولتهم المستقلة ..