حائط الصد
محمد حامد جمعة
تزامنت سنوات الفترة الانتقالية – غير معلوم متى تنتهي – مع تفاعلات وتطورات إقليمية وعالمية صعودا وهبوطاً، سخونة وبرودة. صراعات وحروب وتجاذبات مباشرة أو إسقاطات على الجوار والمحيط الذي يطبق على البلاد.
كل التفاعلات الإقليمية والدولية بالمجمل، شملت السودان بشكل أو بآخر.
ومن المؤكد أن غياب الشكل المؤسسي للحكم وإنعدام الهوية السياسية وضبابية الأجندة الوطنية، ومع علل حالة التوهان العام، كان يمكن أن تقود البلاد إلى حالة تكسّر – بالتشديد على السين – ودفع فواتير عالية الكلفة خاصة مع المضاغطة و(التكتيف) المشدد للمنظومة الأمنية والعسكرية والتوظيف السياسي والإعلامي لأجندات بعض القوى الحزبية والأذرع الخارجية التي حاولت تدجين المؤسسات العسكرية، أو هز بعضها أو تعليق وتقييد أخرى.
لكن الشاهد بالمجمل، ورغم الكثير من الملاحظات، إن المكون العسكري (كله) استطاع وقياساً على ظروف البلاد ودقة المرحلة، الحفاظ، على الأقل حتى الآن – على الأوضاع من الانفلات المؤذي، أو جر الجميع او الانجرار بالجميع إلى وضعية نهايات أمثلة من حولنا، حدثت وتحققت في ظل أزمات أشد مما واجه السودان.
2
وعلى كثرة التحامل على (الجيش) خاصة عبر تتبع مسارات العملية السياسية منذ بدايات مفاوضات الوثيقة الدستورية الأولى، وصولاً للعملية السياسية الجارية الآن. تبدو الحقيقة الشاخصة، ان هذه المؤسسة نجحت وبإمتياز في إدارة المشهد وفق توجه كلي تأسس على الإمساك بمقود تجنب السقوط بالكل في هاوية القفزات الظلامية الكارثية.
وحتى إجراءات 25 أكتوبر وبعيداً عن قالب الإخفاق الذي تصب فيه من رافضيها، تبدو وكأنها نفسها كانت عملية بها محصلة من نواحي كثيرة، إيجابية، إذ أوقفت توجهات استبدادية غير منكورة و(نفّست) احتقان مواجهة كانت ستقود قطعا لأضرار أعظم من التحرك نفسه إن لم يتم.
وحتى على الاجواء العامة، فكثير من المقارنات تبدو أفضل من الفترة التي تم عليها ما سمي بتصحيح المسار من حيث الخدمات وتوفرها وجودة أجواء السجالات السياسية والتدافع بين أطرافه، وهو ما لم تحققه بعض المجموعات السياسية المدنية التي كانت تذم وما تزال خصومها العسكر.
3
تبعا لهذا، يمكنني القول ان القوات المسلحة وتحديداً عبر ذراعها في (الاستخبارات العسكرية) وبالتنسبق مع جهاز المخابرات العامة والأجسام الأخرى ذات الصلة، نجحت وبشكل كبير في قيادة وترتيب (الأسلاك) بحيث لا يقع (تماس) يتسبب في حمولات زائدة أو إطفاء.
ويبدو وبشواهد كثيرة – أفصّلها لاحقاً – ان الاقدار صعدت بمدير الاستخبارات (اللواء الركن محمد صبير) عقب الهزات الارتدادية لانقلاب (بكراوي)، واستدعت ترفيع الرجل واسع الحيلة، الصموت الكتوم و(الشاطر). وترتب على اختياره، تراجع وتلاشى القصص المتصاعدة عن اضطرابات ومهددات أمنية داخل الجيش نفسه، مع وتمدد التعاطي الايجابي والتنسيق الموازي مع اطراف المنظومة الأخرى بما في ذلك التواصل الايجابي مع كل المكونات العسكرية على تعدد أطرافها .و يبدو أن (صبير) غمس أصابعه عميقاً وبهدوء في تشذيب ذوائب توترات وتنسيق مواقف خاصة في الورشة الخاصة بالعسكر ضمن مصفوفة الاطاري وفق منهجية الطرف العسكري المؤسس خيطه بها على تكنيك المعرفة قدر الحاجة وحسب مطلوب المرحلة.
ولا أشك في أن التصورات النهائية لسلامة البلاد وأمنها ضمن مد البصر لترتيبات (صبير) الذي أظنه فاعل أساسي في عمل حميد، يراعي مصلحة الجميع، مع وضع مصلحة السودان أولاً.
4
السودان الآن، ملعب كبير لمخابرات واستخبارات العالم.وكلها تغلغلت في مفاصل الدولة والمجتمع، لذا على السياسيين التزام الحدود الوطنية والدفاع عنها عبر كتاب مواصفات وطنية يحرم تجاوز محدداته ويحصن من السقوط في جوف فراء التخابر الناعم.
لان دولة بأطرافها الفاعلة لا تحترم استخباراتها الوطنية. هل ستعتمد في حمايتها على ( البودي قارد )