البرهان وجين بينغ .. استراتيجيات جديدة وشراكات متجددة..
وضع السودان الحالي يملي عليه تجديد التعاون مع الصين بما يخدم المصالح المشتركة بين البلدين..
زايد: على وزارة المالية أن تكون مستعدة للإجابة على الأسئلة الصعبة..
الركابي: ليس للصين توجهات استعمارية، وتبني علاقاتها على مصالحها الاقتصادية..
تجربة الصين الناجحة في مجال النفط تشجع على البناء عليها..
مطالبات بتفكير إيجابي في الاستثمارات الصينية بما يحقق المصالح الداخلية..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
تكتسب زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إلى الصين أهمية كبرى من خلال المباحثات التي سيجريها مع نظيره الصيني شي جين بينغ، من أجل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، وفتح آفاق جديدة لتعاون متجدد يقوم على بناء شراكات استراتيجية تواكب وضع السودان الحالي في ظل الحرب التي يدفع فواتيرها باهظة الثمن في جوانبه الاقتصادية والأمنية، مما يتطلب منه الانفتاح على شركاء جدد لا يبنون مصالحهم على التدخل في الشأن السوداني بقدر ما يهمهم الخروج بمكاسب اقتصادية تعود بالنفع والمصالح المشتركة عليهم وعلى شعوبهم، وعلى الآخرين من الشركاء.
التعاون الصيني الأفريقي:
أسس منتدى التعاون الصيني الأفريقي رسمياً عقب عقد المؤتمر الوزاري الأول للتعاون بين الصين والدول الأفريقية بالعاصمة الصينية بكين في الفترة من 10 إلى 12 أكتوبر 2000م وحضره حينها الرئيس الصيني في ذلك الوقت جيانغ زمينغ، بالإضافة إلى رؤساء أربع دول أفريقية، هي الجزائر وتوغو وزامبيا وتنزانيا، فضلاً عن الأمين العام لمنظمة الاتحاد الأفريقي، إلى جانب 80 وزيراً للشؤون الخارجية والتجارة يمثلون الصين و44 بلداً أفريقياً وممثلين عن 17 منظمة دولية وإقليمية أفريقية، كما حضره أيضا رجال أعمال صينيون وأفارقة، ومنذ نشأة المنتدى تطور حجم التبادل التجاري بين الطرفين من 10.6 مليارات دولار عام 2000م إلى 201.1 مليار دولار عام 2014م، الأمر الذي وضع الصين في مقدمة ركب الدول التي تتشارك تجارياً مع القارة السمراء، متفوقةً على الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا اللتين كانتا تحظيان بنصيب الأسد من التجارة الخارجية لدول أفريقيا.
أهمية المنتدى:
ويعطي السودان أهمية كبرى لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي وخاصة في ظل التعقيدات التي أفرزتها حرب الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م والتي أقعدت البلاد اقتصادياً، فلا غرو أن يكون في معية رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، فريق اقتصادي متكامل بقيادة وزير المالية والتخطيط الاقتصادي دكتور جبريل إبراهيم إضافة إلى وزير الطاقة والنفط محي الدين نعيم محمد سعيد، وفريق فني من وزارة المعادن، حيث من المتوقع أن يضطلع الطاقم الاقتصادي المرافق للسيد رئيس مجلس السيادة بدور متعاظم خلال المنتدى في بسط لحاف التواصل مع نظرائه في الصين لبحث مجالات التعاون المشترك على الصعيدين الآني من خلال الإسناد العسكري واللوجستي، ومستقبلي يتمثل في قراءة الدور المنتظر من الصين لإعادة إعمار السودان في مرحلة ما بعد الحرب.
هدف الاستثمارات الصينية:
ويعتبر السودان أهم أهداف الاستثمارات الصينية في القارة الأفريقية، لكونه الجسر الرابط بين العالم العربي والأفريقي، الأمر الذي دفع الحكومة الصينية إلى تشجيع وتحفيز شركاتها ذات القدرة الاستثمارية بالاتجاه نحو السودان الواعد بثرواته وموارده الضخمة في مختلف المجالات، فساهمت الصين عبر شركاتها الوطنية في سلسلة من المشروعات المعروفة في السودان، لعل من أهمها وأبرزها قاعة الصداقة، واستخراج النفط، بالإضافة إلى الطرق والجسور، وبناء المستشفيات، والصروح التعليمية.
شراكة استراتيجية:
ومنذ العام 2015م، دخلت العلاقات السودانية الصينية مساراً جديداً عندما أعلن البلدان عن إقامة شراكة استراتيجية بينهما، دخول العلاقات الثنائية مرحلة تاريخية جديدة، وقفت من خلالها الصين داعماً رئيساً للسودان في المحافل الدولية، لتحافظ الصين على مكانتها كأكبر شريك تجاري للسودان، إذ بلغ حجم التجارة بين الخرطوم وبكين في العام 2017م ،2.8 (اثنان فاصل ثمانية) مليار دولار أمريكي، أي ما يمثل 21% من إجمالي واردات وصادرات السودان.
ظروف السودان:
ويرى الإعلامي والباحث الأستاذ الركابي حسن يعقوب أن توجه السودان نحو الصين في الوقت الراهن، أملته ضرورة يحتمها واقع الحال الذي يشير إلى انحسار التأثير الإيجابي للقوى الغربية حيال قضايا الإقليم وانسياقها الأعمى خلف بعض قوى الشر الإقليمية ذات التوجه العدائي تجاه السودان والتي تسعى إلى تدميره وتشظيه، وفي المقابل فإن الموقف الصيني إزاء الوضع في السودان يتسم بالتوازن والوضوح والعقلانية وتتطابق وجهات النظر بين السودان والصين حول (تكييف) الأزمة الحالية في السودان ومن ثم (كيفية) وحيثيات حلها، مؤكداً أن الصين على عكس القوى الغربية ليست لها توجهات استعمارية ولا تقر في حركة سياستها الخارجية الكيانات َوالتيارات الساعية للتمرد على الدولة أو التي تدعو إلى الانفصال عن الدولة، حيث تميل الصين إلى علاقاتها الخارجية مبنية على السعي لتعظيم المصالح الاقتصادية وترجيحها، وهو ما يتمثل في السودان بموارد الهائلة التي يمكن للصين أن تكون شريكاََ ناجحاََ ومثالياََ له، مثل ما تحقق من قبل في مجال النفط، والاستثمارات المعتبرة في مجال المعادن.
استثمارات صينية:
وعلى ذات السياق يمتدح الخبير الاستراتيجي والأستاذ بجامعة الخرطوم دكتور محمد زايد عوض، وزير النفط والغاز الأسبق، التعاون الصيني الذي امتدت جسوره مع السودان سنين عددا، مما انعكس إيجاباً على تنفيذ بنيات تحتية معتبرة في عدة مجالات من بينها النفط الذي قال إن الصين نجحت من خلاله في بناء أطول خطي نفط في أفريقيا عدارييل ( الجبلين ) بورتسودان، وهجليج بورتسودان في زمن قياسي، وأبان دكتور زايد في إفادته للكرامة أن الاستثمارات الصينية في السودان، فتحت لها أفاقاً رحبة لتتمدد، وتُوجِد لها سوقاً مثمرة في القارة الأفريقية، فحققت نجاحات كبيرة في هذا الجانب.
تنبيه مهم:
ونبه دكتور محمد زايد عوض إلى أهمية أن تكون وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي مستعدة للإجابة على السؤال الصعب المتعلق بسداد ديون الصين في مجال النفط، مبيناً أن تأخير سداد الديون كان سبباً مباشراً في البطء الذي لازم قطار التعاون الاستثماري من المضي قدماً في تنفيذ مشروعات جديدة، وأبان دكتور زايد أن الشركات الصينية معظمها شركات ذات طابع حكومي تقودها شركة الصين الوطنية، وأن سداد الديون سيفتح الباب واسعاً لاستئناف مسيرة التعاون الاستثماري في عدة مجالات وخاصة المعادن والزراعة بشقيها النباتي والحيواني، باعتبار أن الصين ليست مهتمة بالجانب العسكري بالقدر الكبير لذلك لن تكون معنية به، مبيناً أن الصينين لا يخشون ركوب المخاطر والكوارث، ويمكنهم الاستثمار تحت أي ظروف يرونها مواتية للاستثمار، مشيراً في هذا الصدد إلى تجربة الصين في الاستثمار في مجال النفط رغم الحصار الذي كان مضروباً على السودان، إذ استطاعوا تحقيق مكاسب كبيرة، واقترح وزير النفط والغاز الأسبق على الحكومة أن تحاول الاستفادة من الاستثمارات الصينية في مجال المعادن، حيث إن الصينين معنيون بالمعادن النادرة كالرمال السوداء المستخدمة في التكنولوجيا، وفي مجال الثروة الحيوانية التي يمتلك السودان فيها ميزة نسبية، ويمكن طرق أبواب كبيرة بتنفيذ مسالخ في السودان بدلاً من ترحيل لحوم حية إلى الصين بحيث يستفيد السودان من مخلفات الحيوانات من جهة، ويتيح فرصة للعمالة السودانية من جهة أخرى، مطالباً رأس المال السوداني بالتطور في مجال الاستثمار ومحاولة دخول أفاق أكبر من مجرد استيراد دقيق وقمح وغيره من السلع التي لا تدعم الاقتصاد الوطني بشيء يذكر.
مصلحة السودان:
ويؤكد الباحث والإعلامي الأستاذ الركابي حسن يعقوب أن من مصلحة السودان أن يبني ويطور علاقاته مع الصين التي وصفها بالعملاق الاقتصادي والقطب الدولي ذي الوزن الثقيل والرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه في مضمار السياسة الدولية، مبيناً أن أهمية الصين تتزايد يوماً بعد يوم في الساحة الدولية، والسودان في ظل وضعه الحالي في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لبناء علاقات خارجية حقيقية خالية من الابتزاز والوصاية والإملاء مثلما هو الحال مع القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا، علاقات تقوم على تبادل المصالح وتتأسس على الاحترام المتبادل والتفاهم وتقريب وجهات النظر حول القضايا الدولية بالعموم والقضايا الثنائية بالخصوص، وجميعها عناصر تتوفر في دولة الصين.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فإن انفتاح السودان شرقاً على الصين اقتصادياً وعلى روسيا عسكرياً إنما يشكِّل مؤشراً جيداً لملامح سودان ما بعد مرحلة الحرب والذي نتطلع لأن نراه يبني علاقاته الاستراتيجية وفقاً لمصالحه ومصالح شعبه، وفي إطار ندية متبادلة مع دول العالم الأول التي ترى فيه بلداً واعداً بموارده وثرواته التي تجعل منه سلةً لغذاء العالم.