الهوية السودانية مقال يستحق القراءة
معظم السودانيين بيصنفوا الشعب السوداني من الناحية الاثنية لقسمين قبائل من أصول افريقية وقبائل من اصول عربية ، ازدواجية العروبة والافريقانية دي أدت لنتائج اسوأ علي واقعنا من صراع اليمين واليسار
تصنيف القبائل العربية جاي من اي قبيلة ما عندها (رطانة ) دي قبيلة عربية ، برغم انو اللغة البتتكلم بيها القبائل دي خليط من اللغة العربية وكلمات عمرها الاف السنين بالإضافة لأسماء آلهة كوشية عمرها الاف السنين . والغريب انو داخل بيوتنا يوميا بنذكر أسماء الآلهة الكوشية وبنستخدم كلمات عمرها ممكن يرجع لسبعة او تمانية الف سنة وبنستخدم الكلمات بدون ما نسال معناها أو جاءتنا من وين وكيف . ومعظم عاداتنا وتقاليدنا المشتركة عمرها الاف السنين
الكلمات الجاية دي كلها مذكورة في قاموس بيدج للهيروغليفية ونازلة معاها صور للكلمات دي من القاموس
() سي كلمة منتشرة بتستخدمها النسوان في الافراح (سي يا يابا مثلا) . سي هو الإله التمساح الحامي من الشرور و الارواح الشريرة في الديانة الكوشية . والمعني تحصين صاحب الفرح بالإله سي () كر :
كر بضم الكاف تقال عندما يكح الطفل او الشخص البالغ ، وتقال للشفقة (كر عليك / كر علي ) وكر هو إله الارض مستودع الاجساد الميتة
() بس : بس عليك بكسر الباء تقولها النساء عند الإستياء من قول ما أو فعل ما ، وبس هو إله الفسق والفجور لدي قدماء كوش . (يعني يتسلط عليك بس فتصبح ماجنا وفاسقا ) . ودي طبعا دعوة سيئة بمقاييسهم قبل أربعة او خمسة الف سنة . والإله بس هو إله في شكل قزم قبيح جدا وبعضو ذكري ضخم جدا ، راجع الصورة المرفقة ويمكن ايجاد عشرات التماثيل بالبحث في الانترنت () دودو :
شليل وينو أكلو الدودو أغنية لعبة شليل أجيال كتيرة لعبت شليل وماف زول سأل الدودو ده شنو . دودو هو إله الشر في ديانة وادي النيل القديمة
() بورا : الكديسة في العامية السودانية تسمي بورا ، كان قدماء الكوشيون يعتقدون في أن الإله را (رع) يسكن في القط الكلمة من مقطعين بو وتعني المسكن و را وتعني الإله را او رع والمعني مسكن الإله رع () بس :
بس بكسر الباء او بسات هو اله بجسد قط وهو الأله حامي البراءة والطفولة
وكلمة بس مستخدمة لطرد القط أو إبعاده في عامية اهل السودان
() وووب : وووب علي كانت تقال عند موت عزيز وهي منتشرة في كل السودان . ووب هو كبير الكهنة المختص بتحنيط الموتي لدي قدماء الكوشيين . وتوجد نقوش حجرية توثق لمجموعة من النساء يهلن التراب علي روؤسهن بنفس الطريقة المتبعة في زمننا هذا عند موت عزيز (لاحظ نفس اللفظ ووب مع نفس العادة السائدة قبل الاف السنين) () واااي : كلمة تقال عند الفزع والخوف الشديد ووردت بنفس المعني في قاموس بيدج (يعني النسوان في زمن بعانخي ذاتو كان بيقولن واي لمن يخافن)
() تقابا : هي نار القرآن المعروفة في الخلاوي والكلمة تتكون من مقطعين تقا او تكا بمعني النار في الهيروغليفية وبا هي الروح والمعني نار الروح أو نار الروحانية . السودانيين خلال الاف السنين انتقلوا من الوثنية الي اليهودية الي المسيحية الي الاسلام . وفي كل دين جديد بيدخلوا بعاداتهم الدينية والدنيوية في الدين القديم بيدخلوا بيها للدين للجديد . وعلي سبيل المثال الاب فانتيني او القسيس فانتيني جاء للسودان بعد انهيار مملكة المقرة (مملكة دنقلا المسيحية ) عام 1517 باحثا عن آثار المقرة المسيحية . وألف كتاب بيتحدث عن عادات مسيحية وجدها عند سكان المقرة حتي بعد دخولهم الاسلام ومنها في الاربعين بياخدوا المولود للنيل وبيغطسوه في الماء ودي محاكاة للتعميد في المسيحية المولود بيعمد (يغطس) في الماء المقدس في الاربعين وأيضا طباعة الكف بدم الذبيحة علي مدخل البيت من عادات المقرة المسيحية وتستخدم في كرامة الحاج لبيت الله الحرام حتي اليوم وأيضا وضع جريد النخل علي كشواهد للقبور من عادات مملكة المقرة فالظاهر السودانيين بعد دخولهم للاسلام قاموا بأسلمة كثير من عاداتهم المسيحية وواصلوا فيها عادي . ايضا عادة بذل الطعام في اماكن العبادة كالخلاوي مثلا قديمة بقدم التاريخ . جبل البركل هو مسكن الإله أمون في عقيدة وادي النيل القديم وكان الحجاج بيأتوا لجبل البركل من كل أنحاء مصر والسودان . وكان الطعام بيبذل علي طرق المنطقة لياكل منه الحجاج مجانا () شو :
جاء جاري شو . والعربية مشت شو . كلمة شو تستخدم للدلالة علي السرعة الخارقة ، وشو هو إله الهواء والفضاء (الدافق بقوة والمالئ الفراغ بين الارض والسماء)
()كعب : كلمة سودانية متفردة ، وردت في قاموس بيدج بمعني سئ () بعاتي : البعاتي شخصية اسطورية شريرة في السودان . با كما ذكرنا تعني الروح في الهيروغليفية . عاتي او ااتي تعني العدائي او الشرير في الهيروغليفية والمعني الروح الشريرة
(*) جب :
جب chup بضم الجيم وتنطق كنطق ch ، جب عليك ، جب هو إله الأرض لدي قدماء الكوشيين ، جب عليك تعادل الله يغطس حجرك المتداولة
تلك المدن النوبية العظيمة
كرمة ؛ جنة النيل
كشفت الحفريات التي تمت في أرض النوبة في الفترة 1960 – 1970م قبل إغراقها بمياه السد تحت بحيرة النوبة عن وجود آثار تعود إالى ما قبل عام 20000 ق.م.
تمكن إنسان العـصر الحجري في أرض النوبة من تسخير معـطيات بيئته ليوفر الطعام لنفسه. صنع من الحجارة المشظاة ومن عظام وقرون الحيوانات السكاكين والمكاشط والفؤوس اليدوية وأسنة الرماح ليسهل على نفسه عملية القنص وجمع الثمار؛ وصنع من بوص البردى وأخشاب السنط الأطواف للتنقل عبر النيل.
بعد أن بحث عالم الآثار السويسري شارلي بونيه في مخلفات كرمه وجزيرة صاي أبان العصور الحجرية أعلن أن كرمه وصاي هما أقدم موطن للإنسان في أفريقيا، ومما يؤكد كلام بونيه هذا أكتشاف هياكل 59 شخص في جبل الصحابة بمنطقة حلفا يعود تأريخها إلى حوالي عام 12000 ق. م.
حوالي عام 4000 ق. م نشأ مجتمع حضاري بين مدينتي فرس (فار : أسي) وجمي وقد عرف هذا المجتمع باسم المجموعة الحضارية (أ). بعد هذه المجموعة نشأت مجموعة حضارية أخرى بين الشلالين الأول والثاني عرفت باسم المجموعة (ب)، بعدها نشأت مجموعة حضارية ثالثة الى الجنوب منها عرفت بالمجموعة (ج). شهدت النوبة أبان حضارة المجموعات الثلاث (أ ، ب ، ج) تطوراً في جميع المناحي الزراعية والحيوانية والصناعية والمعمارية والدينية.
كانت مساكن أصحاب هذه المجموعات عبارة عن غرفة واحدة أو عدة غرف مستطيلة الشكل.
خلال فترة هذه المجموعات دخلت النوبة في عصر كرمه.
كرمة ؛ الدار العظيمة…
أصبحت كرمة (كار : مه) عاصمة للدولة النوبية قبل ثلاثة آلاف سنة من ميلاد السيد المسيح، وقد دلت الإكتشافات الأخيرة لعالم الآثار شارلي بونية أن كرمة هي أول حاضرة لأول دولة نشأت في العالم وأن ملوكها هم أول الفراعين الذين حكموا مصر وفلسطين لمدة 250 عاماً؛ وهذا يجعلنا نقول أن الفراعين الذين حكموا مصر في الحقبات التاريخية التي تلت هم من أصول نوبية.
أزدهرت كرمة (كار : مه) إزدهاراً عظيماً جعل المؤرخين يطلقون عليه لقب (جنة النيل). ويعود السبب في إزدهارها وقوعها وسط حوض فيضي عظيم.
غزا الهكسوس مصر وحكموها لمدة 600 عاماً حتى جاء أحمس وتزوج من إبنة ملك كرمه الذي وضع جيشاً نوبياً تحت أمرة أحمس تمكن به من تحرير مصر من الهكسوس.
ولم يمض طويل وقت على تحرير الجيش النوبي مصر من الهكسوس حتى بدأ فراعين مصر في شن الغارات على كرمة؛ وأخيراً سقطت في يد الفرعون المصري توحتموس (تود : حت : إمبس)(1) بعد معركة نهرية قاسية ومريرة بين أسطول كرمه بقيادة الأمير أنى (أنـّا)(2) والأسطول المصري بقيادة أحموسي شاركت فيها أكثر من 300 مركب من الجانبين. ويصف أحموسي هذه المعركة بقوله إنها كانت شرسة وعنيفة.
أحرق الفرعون المصري كرمه وهدم مبانيها وهشم تماثيل ملوكها ودفنها وكان منها تمثال ملك كرمه الذي حكم مصر كأول فراعينها. بقي ذلك التمثال مدفوناً تحت الأرض حتى كشف عنه عالم الآثار السويسري شارلي وقال: “هذا هو الفرعون الأكبر).
يقول المؤرخون أن أهل كرمه كانوا إذا مات لهم رجل عظيم دفنوا معه من مائة إلى ثلاثمائة من أتباعه؛ هذا القول لا يمكن أن يكون صحيحاً لأن النوبيين الذين ترفعوا عن تقديم قرابين بشرية لآلهتم لا يمكن أن يقدموا تلك القرابين إلى عظمائهم؛ كما أن المنطق يستبعد أن يدفن مع إي رجل عظيم ثلاثمائة من أتباعه لأنه لو حدث هذا لفني الشعب النوبي كله. هناك تفسير منطقي لوجود عدد كبير من الموتى في قبر واحد هو أنه كان لكل أسرة في كرمه مقبرتها الخاصة وبالتالي ما يقال عنهم أتباع دفنوا أحياء مع الميت هم أفراد أسرة واحدة ماتوا في فترات زمنية متعاقبة فدفنوا في مقبرة الأسرة.
الدفوفة في كرمه أهم عجائب الدنيا في زمانها إذ لا يوجد لا في وادي النيل ولا أي مكان آخر في ذلك العصر مباني تضاهيها ضخامة. والدفوفة جمع (دف) وهي كلمة نوبية تعني (حصن). والدفوفة في كرمة عبارة عن مبنيين؛ الدفوفة الغربية والدفوفة الشرقية.
الدفوفة الغربية بناء ضخم أبعاده 25×27 متراً وإرتفاعه 20 متراً بني بالطوب اللبن (الطوب الأخضر) أبعاد الطوبة 35×17×12 سم. والمرجح أن تكون معبداً دينياً أو قصراً تضم مستودعات للمحاصيل الزراعية.
الدفوفة الشرقية والتي تقع شرق الدفوفة الغربية وعلى بعد أربعة كيلومترات منها كانت مدافن حكام كرمه.
تميزت كرمه أيضاً بمقابرها. كانت كل مقبرة عبارة عن كومة من التراب مستديرة الشكل تحيطها كتل من الحجارة ؛ ويوجد وسط أسفل الكومة حجرة يفتح أحد جوانبها على دهليز عرضه متران يمتد شرقاً وغرباً؛ وعلى جانبي الدهليز بنيت عدة دهاليز تمتد متوازية من الدهليز الرئيسي وحتى نهاية حافة الكوم الترابي. هذه الدهاليز الجانبية مقسمة بجدران إلى غرف كل غرفة عبارة عن مقبرة فردية.
وجدت في مخلفات كرمة الكثير من الدمي والتماثيل الطينية مما يدل على وجود معتقدات دينية. وتدل مخلفات كرمة من الأواني المنزلية المصنعة من الفخار الأحمر المزخرف والفخار ذي الحافة السوداء الذي مثيل له في العالك وكذلك الأدوات والآلات المصنعة من النحاس والحديد والبرونز مثل الفؤوس والأزاميل والمناجل والسكاكين والملاقط. كما إحتوت تلك المخلفات على أدوات الزينة كالأسورة والحجول والدلايات والقلائد والخرز والعقود والأساور ولأقراط المصنعة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة والملونة والعاج وكثير من القطع الزخرفية المصنعة في أشكال حيوانات، كالأسود، من العاج والمايكا؛ ويتدل هذه المخلفات على أنهم عرفوا تعدين النحاس والحديد والذهب. وضمت مخلفات كرمة أيضاً أفران لصهر المعادن مما يدل على ما وصلت اليه كرمة من مستوى صناعي رفيع.
وتدل مخلفات كرمه على إزدهار أشغال الخشب كصناديق حفظ الحلي والعناقريب والتي أعتبرها أنا شخصياً من أروع القطع الفنية التي خلفتها الحضارات الإنسانية في كل عصورها حتى أكاد لا أصدق أنها من مخلفات كرمه.
وتظهر مخلفات ملابسهم المصنوعة من القماش على أنهم كانوا يزرعون القطن والكتان وأنهم عرفوا صناعة الغزل والنسيج.
بعد سقوط كرمه نقل النوبيون عاصمتهم إلى نبته مبتعدين عن شرور الفراعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أصل اللقب (تحوتمس) هو (تود : حت : إمبس)؛ كلمة (تود) تعني (إبن)، وكلمة (حت) تعني (الإلـَه حت)، وكلمة (إمبس) تعني (أخ)؛ واللقب (تود : حت : إمبس) تعني (إبن أخ الإلـَه حت).
2- أصل اللقب الملكي (أنى) هو(أنـّا) ويعني (حقنا) والمقصود (زولنا).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نـبـتــا ؛ العاصمـة الـذهـبية
(950 ق.م – 591 ق.م)
غزا ملك نبته الملك كاشتا (كش: تا)(1) مصر واستولى على طيبه وصعيد مصر وأجبر الملك الليبي اسكرون للتقهقر إلى دلتا مصر. مات الملك كاشتا عام750 ق. م، وهو نفس العام الذي تم فيه تأسيس مدينة روما، وخلفه إبنه بعنخي (بو : آنجي) الذي أكمل فتح مصر، ففي عهده تمرد أمراء الوجه البحري في مصر على الحكام النوبيون فحاربهم بعانخي وأخضع مصر كلها لحكم نبته، وقد سجل الملك بعانخي أخبار انتصاراته في لوحه المعروف بلوح نبته.
حكم النوبة مصر في الفترة (750 – 656 ق . م ) كفراعنة الأسرة الخامسة والعشرين.
قام ملوك نبته بتعمير مصر؛ بنوا المعابد وشقوا الترع لري الأراضي وسنوا القوانين التي تحمي حقوق الإنسان المصري من ذلك وقف الحكم بالإعدام وأستبداله بالسجن المؤبد، وعظمة هذا القانون تأتي من كونه سن لحماية شعب تحت الإحتلال.
الملك شباكو (شيب: با: كو)(2) والذي يعـرف بلقب نفركارع (نفر: كا: را)(3)، أحد ملوك نبته العظام الذين حكموا مصر وسعى للنهوض بها فبنى الجسـور وشق الترع لتنظيم الري وبنى المعابد وسن القوانين العادلة التي تنظم حياة الناس وألغى الحكم بالإعدام واستبدل به الأشغال الشاقة، وتأتي عظمة هذا القانون من كونه سن ليطبق في دولة مستعمرة وعلى شعب تحت الاحتلال.
عمل ملوك نبته على حماية مصر والشام من إعتداءات الأشوريين، فلما حاصر الآشوريون القدس أرسل شباكو (شيب : با : كو)، جيشاً بقيادة أبنه الأمير ترهاقا(تا: آر: كا)(4). فتمكن الجيش النوبي من هـزيمة الأشوريين وتحـرير أراضي الشام؛ وقد جاء في التوراة خبر إنتصار النوبة على الأشوريين في سفر الملوك.
ملوك نبته هم بناة الأهرامات والمعابد العظيمة المزانة بالرسوم والنقوش البارزة والغائرة بطول وادي النيل وأعظمها معبد الإلَه آمون في البركل وقد أنتشرت آثارهم من معابد وقصور وإهرامات من مـصر وحتى أبو جـبل في مـنطقـة سنار.
من مخلفات عصر نبتا العديد من تماثيل الملوك والملكات والآلهة وكذلك الكثير من التمائم والفخار وأدوات الزينة والأسهم والأواني المختلفة.
في عام 591 ق.م غزا فرعون مصر بسماتيك الثاني نبته وحطم واحرق معابدها وقصورها وتماثيلها.
الملاحظ هنا ان ملوك النوبة كانوا دائماً يهتمون بتعمير مصر وتخليصها من أعدائها في حين أعتاد فراعينها علي تدمير الحضارات النوبية وحرق عواصمها؛ فبينما حـرر ملوك كرمه مصر من الهكسوس وحرر ملوك نبته مصر من الليبيين وحموها من الأشوريين وقاموا بتعميرها، دمر فراعين مصر حـضارات النوبة الواحدة تلو الأخرى، فقد دمـر تحـوتمس الثالث كرمه وخربها ودمر بسماتيك الثاني نبته واحرقها.
بعد خراب نبته نقل الملك أسبلتا (أسي : بل : تا)(5) عاصمة ملكه إلى مروي.
1- أصل اللقب الملكي كاشتا هو (كش: تا)، كلمة (كش) تعني (ساقهم أمامه) وكلمة (تا) تعني (جاء) أو تعنى إتمام الفعل، واللقب (كش: تا) يعني (قائد القوم).
2- أصل اللقب الملكي شباكو هو (شيب : با : كو)، كلمة (شيب) تعني (ينمو) وكلمة (با) تعني (حوض) وكلمة (كو) تعني (أسد) واللقب (شيب: با: كو) يعني (شبل حوض النيل).
3- أصل اللقب نفركارع هو (نفر: كا: را)، كلمة (نفر) تعني (جميل)، وكلمة (كا) تعني (روح) وكلمة (را) تعني (رب)؛ واللقب (نفر: كا: را) يعني (روح الرب الجميلة).
4- (تا: آر: كا) أصل اللقب ترهاقا هو (تا : آر : كا) ، كلمة (تا) تعني (جاء) وكلمة (آر) تعني (أمسك) وكلمة (كا) تعني (السيادة)؛ واللقب (تا : آر : كا) يعني (الذي استلم السيادة). المعروف أن ترهاقا نزع السلطة من أخيه.
5- أصل الإسم اسبلتا هو (أسي : بل : تا)؛ كلمة (أسي) تعني (ماء)، وكلمة (بل) تعني (خرج)، وكلمة (تا) تعني (جاء)؛ والمعنى المقصود بالإسم (أسي : بل : تا) هو (الذي وفر المياه).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مــــروي ؛ برمنجهـام أفريقيا
(591 ق.م – 350 م )
تدرج النوبة في سلم الحضارة التي مهدوا درجاته ليرتقيها العالم بعدهم حتى بلغـوا في بعض المجالات شأواً بعيداً لم يدانيهم فيه أي من شعوب ذلك الزمان؛ فقد تربع النوبة في العـصر المروي ولحوالي ألف عام وحدهم قمة الحضارة الإنسانية। قال المؤرخ ب. ل. شيني في كتابه (مروي، حضارة سودانية): ” لقـد وقـع كثير من المؤرخين في الخطأ عندما نظروا إلى مروي على أنها صورة بربرية ومشوهـة للحضارة الفرعونية وأنها لـم تضف شيئاً للحضارة الإنسانية ذلك لأن مـروي كانت في زمـانها قوة عظيمة لها حضـارة ممـيزة وثقافة خاصة بها، وكانت مركزاً أساسياً للتنمية والثقافة في أفريقيا “.
شهدت النوبة في العـصر المروي نهضة وطفرة حضارية في الزراعة والصناعة والعمران كما عمت شهرة ملوكها كل أركان المعمورة.
وقال هيرودوتس أنه كان بإمكان ملك مروي أن يستنفر للحرب ربع مليون مقاتل بكامل عتادهم. غير أن النوبة لم يستغلوا قوتهم العسكرية هذه لغزو أي دولة وكل الوقائع النوبية التي كانت بينهم وبين الآخرين كانت دفاعاً عن النفس والأرض.
وفي العصر المروي وصل النوبيون غرباً إلى أمريكا الجنوبية وولوا شرقاً إلى الهند.
سنتناول فيما يلي بعض أوجه التطور الذي وصلت اليه مروي في مجالات عدة.
معارك النوبيين والرومان…
تعـتبر الحرب التي دارت بين الكـنداكة (قتدي : آق)(1) أمـنراتس (أمن : را : تسي)(2) ملكـة مـروي وبين والي مـصر الروماني بترونيوس، والتي إنتصر فيها الجيش النوبي، من أهم المعارك التي خاضها النوبة؛ وبسبب هذه الحرب إشتهر لقب (الكنداكة) في العالم شهرة لقبي القيصر والإمبراطور.
لقد كتب كثير من المؤرخين الرومان عن هذه الحرب وتعتبر كتاباتهم مثالا صارخاً لتحيز المؤرخين فيما يكتبون؛ لذلك فقد تناولت ما كتبوه بالنقد والتحليل لكي أثبت ما سبق وقلته عن تحيز المؤرخين وعدم حياديتهم.
بعد أن أستولى الرومان على مصر فكروا في غزو النوبة فدخلوها وأستولوا على الفنتين ودكا وابريم وفيلة وأقاموا فيها حاميات عسكرية وقد كان ذلك سنة 62 ق. م.
تحرك ملك مروي الملك ترتقاس (ترتي : قاش)(3) على رأس جيش قـوامه 30 ألف جندي لطرد الرومان من أرض النوبة؛ وكان برفقة الملك زوجته أمنراتس التي عرفت في التاريخ بإسم (الكنداكة) وإبنه أكنداد (أكن : داد)(4).
أكتسح الملك ترتقاس حاميات الرومان في ارض النوبه وطارد فلول الجيش الروماني المنهزم حتى أسوان. وفي أسوان مات الملك فتولت زوجته الملكة أمنراتس قيادة الجيش. رأت الملكة أن توقـف القتال وتعـود بجثمان زوجـها إلى الـنوبة لكي تدفـنه في جـبل البركل (با : را : كل).
عادت الملكة الى النوبة بجثة زوجها وقد أخذت معها الكثير من الأسرى والغنائم ومن بينها العديد من التماثيل الرومانية.
أفزعت إنتصارات الجيش النوبي والي مصر الروماني بترونيوس غير أنه تجنب الصدام معه، وما أن علم بتراجع الملكة عن أسوان حتى طاردها بجيشه؛ وعندما توقفت الملكة في دكا لقتاله أحجم عن مواجهتها وبدأ يفاوضها لكي تطلق سراح الأسرى وترد الغنائم التي أخذتها.
استمرت المفاوضات بين الملكة والوالي لمدة ثلاثة أيام دون التوصل إلى إتفاق فأوقفت الملكة المحادثات وواصلت طريقها إلى البركل لدفن زوجها. تابع بترونيوس الجيش النوبي متجنباً الصدام به حتى نبته ولأن جيشه وصل نبته منهكاً فقد توقف عن ملاحقة الملكة وقفل راجعاً لمصر، وفي طريق عودته أعاد إنشاء الحاميات الرومانية في المدن النوبية.
بعد أن فرغت الملكة من دفن زوجها قادت جيشها وعادت وحررت المدن التي أستولى عليها بترونيوس مرة أخرى ثم حاصرته وجيشه في ابريم. طلب الوالي الروماني من الملكة رفع الحصار عنه فوضعـت الملكة شروطاً لفك الحصار؛ أخبرها الوالي إن تنفيذ شروطها ليس بيده بل بيد الإمبراطور أغسطوس قيصر وطلب منها التفاوض معه، ثم أرسل لها أدلاء ليرافقوا رسلها إلى جزيرة ساموس حيث يوجد الإمبراطور. أخذ الإدلاء رسل الملكة إلى الإمبراطور. أخبر الرسل الإمبراطور بشروط الملكة لرفع الحصار عن الجيش الروماني فوافق الإمبراطور عليها كلها بما فيها إرجاع الأموال التي جباها الرومان من النوبة.
هكذا كانت الحرب بين النوبة والرومان كما تفهم من كتابات مؤرخيهم رغم الأسلوب الخطابي الطنان الذي استخدموه. لقد كتب إسترابو عن هذه الحرب فذكـر أشياء غير صحيحة بل هي في حقيقتها مغالطات تـنافي حقائق التاريخ لذا وَضَعتُ أمامها علامات تعجب؛ يقول إسترابو:-
“يقع موطن الأثيوبيين جنوب أسوان وهم قوم رحـل(!) وهم قليلو العـدد وهـم ليسـوا بمحاربين(!) رغم أن القدماء قالـوا أنهم مقـاتلين أشـداء وذلك لأنهم كانوا يعتدون على العـزل(!) هــؤلاء الأثيوبيون، الذين ينتشرون فـي شريط ضيق من الأرض على جانبي النيل حتى مـروي، يعيشون في تفـكك غير متحدين(!). وهم عاجزون لا يجيدون الحرب ولا القتال(!) ولا حتى أي نوع من أنواع الحياة(!). لقد أقـام الرومان ثلاث حاميات ولما لم تكـن تـلك الحـاميات مكتملة التجهيز(!) أعـتدى عليها الأثيوبيون فعــرضـوا وطــنهـم للخـطر والضـياع(!) وقـد أدى الهجـوم المفاجيء غـير المتوقع(!) لسقـوط إسـوان والفـنتين وفـيلة. أسـر الأثيوبيون السكان وقـتلوهم وأخـذوا تماثيل الإمبراطور”.
ثم يتحدث أسترابو عن إنهزام النوبة أمام الرومان ويعزي ذلك لسوء سلاحهم وإفتقارهم للقيادة، ثم يلخص خسائر النوبة بطريقة حسابية ساذجة لا معنى لها:-
“ولو حسبنا عدد الذين سقطوا قتلى في المعارك واؤلئك الذين أسروا نجد أن عدد الذين تمكنوا من الفرار كان قليلاً جداً(!)”
ولا ينسى استرابو إن يسيء للملكة أمنراتس فيقول:- “وكانت الملكة ضخمة الجثة وعوراء”
وعن نفس هذه الملكة يقول ب. ل. شيني في كتابه (مروي، حضارة سودانية):- “بفضل هذه الملكة أصبح لقب الكنداكة مشهوراً في العالم شهـرة لقب إمبراطور ولقب قيصر”.
المؤرخ ديو كاسيوس تحدث أيضاً عن الحرب النوبية الرومانية ومما قاله:- “طاردهم داخل وطنهم وهناك أنتصر عليهم واستولى على عاصمتهم نبته ودمرها وساواها بالأرض(!)”.
إن دراسة الآثار تقول لنا أن إدعاء الرومان بأنهم هزموا النوبة وأنهم دمروا عاصمتهم نبته وساووها بالأرض إدعاء غير صحيح وذلك لأمرين:
الأمر الأول أن نبته لم تكن عاصمة النوبة أبان الحرب النوبية الرومانية ذلك لأن الملك اسبلتا كان قد نقـل عاصمته من نبته الى مروي بعـد أن خرب فرعـون مـصر بسماتيك الثاني نبته وأحرقها وحطم تماثيلها وكان هذا عام 591 ق.م أي قبل 565 سنه من الحرب النوبية الرومانية والتي وقعت بين عامي 26- 21 ق.م.
الأمر الثاني إن التماثيل الرومانية الكثيرة التي وجدت في مروي تدل على أن الملكة أمـنراتس قــد عادت غانمة من حربها مع الرومان وأنه لم يكن هناك من يضايقها أو يطاردها وإلا لما رجعت لعاصمتها من أسوان وهي تحمل معها كل تلك التماثيل.
وقد أستنكر شيني ما كتبه المؤرخون الرومان عن الحرب النوبية الرومانية فقال:
” والملاحظ هنا انه بعد الحرب المدمرة التي قال الـرومان أنها أنتهـت لصالحهم فإن إتفـاقية ساموس التي تمـت بين الإمبراطـور وسفـراء مروي لا يوجد بها بنود صارمة مما يدل أن هذا الإنتصار الـروماني المزعوم لم يكن كاسحاً كما أظهرته كلمات المؤرخين”.
في عام 350م غزا عيزانا ملك أكسوم الحبشية مروي.
وأنهارت مروي العظيمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أصل اللقب الكنداكة هو (قندي: آق)، كلمة (قندي) تعني (إعتدال) والكلمة (آق) تعنى (جالس)، واللقب يعني (المستريحة) أو (المكرمة). ويقال لنوع من التمر الجيد (قنديلا) وهو اسم مشتق من كلمة (قندي). ولقد أورد الاب فانتينى في صفحة (34) من كتابه (تاريخ المسيحية في الممالك النوبية القديمة) إسم الكنداكة هكذا (قنداقة) وهذا قريب من (قندي: آق).
2- أصل اللقب الملكي أمنراتس هو (أمن: را: نسي)، كلمة (أمن) تعني (ماء) والمقصود الإلَه (آمون)، وكلمة (را) تعني (رب) والمقصود (رع)، وكلمة (نسي) تعني (أخت)، واللقب (أمن: را: نسي) يعني (أخت رب الماء) والمقصود (أخت الإلَه آمون رع).
3- أصل اللقب الملكي ترتقاس هو (ترتي: قاش)، كلمة (ترتي) تعني (أهل) وكلمة (قاش) تعني (مدلل)، واللقب (ترتي: قاش) يعني (مدلل أهله).
4- أصل اللقب الملكي أكنداد هو (أكن: داد)، واللقب يعني (الذي أخافهم حتى تبولوا).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دنـقـــــلا ؛ حصن رماة الحـدق
(520م – 1505 م)
تعد دنقلا العجوز من أعظم مدن الدنيا…
فقد كانت مركز الحضارة الإنسانية لأكثر من قرن من الزمان…
وجنودها هم الذين دافعوا عن الدولة الفاطمية بإخلاص…
وملكها قرقي بن زكريا هو أول ملك مسيحي تقرع له أجراس الكنائس في أرض الإسلام من مصر وحتى مداخل مدينة بغداد التي دخلها بين صفين من جند الدولة الإسلامية في أبهى أزيائهم وقد إصطفوا من مدخل المدينة وحتى القصر الذي أهداه له الخليفة المعتصم…
وهي عاصمة الدولة الوحيدة التي إعتنقت الإسلام طوعاً…
وملكها عبد الله برشمبو هو الملك الوحيد الذي حكم مرة كملك مسيحي ومرة ثانية كأول ملك مسلم في التاريخ…
من خلال الليل الذي طوى النوبة بعد أفول شمس مروي أشرقت شـمس ثلاثة ممـالك في دنقلا وسوبا وفرس…
شروق شمس دنقلا العجوز…
أوائل القرن السادس ظهر ملك نوبي عظيم هو الملك سلكو (سيلي : كو)(1).
يقول الملك سلكو في نقش باللغة اليونانية في معبد كلابشة: ” أنا سلكو الملك الجبار لـنوباتيا ولجميع النوبيين حضرت الى تلمس وتافة مرتين وحاربت البلميين(2) ومنحني الله الإنتصار مرة بعـد ثلاث مرات وتغلبت عليهم حتى طلبوا مني الرحـمة والسـلام وصالحتهم ورجعت الى الأراضي العليا في مملكتي “.
ومن قوله (رجعت الى الأراضي العليا في مملكتي) يبدو أنه كان ملكاً على دنقلا. ويقول الملك سلكو: ” أما الذين يريدون محاربتي فأنا أحاربهم بقوة وإستمرار بلا هوادة الى أن يسترحموني لأني أطاردهم كالأسد في السهول وكالمعـزة في الجبال” ويواصل سلكو: ” أما رؤوسـاء الأمم الأخـرى الذين يقـاتلوني فـلن أسمح لـهم بأن يذوقـوا للراحة طعماً وهم تحت الشمس ولن يستطيعوا أن يشربوا ما في منازلهم الى أن يخضعوا لي”.
حارب سلكو البلميين وطردهم من وادي النيل حوالي سنة 536 م.
البحـث في إسـم دنقــلا…
حاول كثير من الباحثين معرفة أصل إسم دنقلا فخرجوا برأيين؛ أصحاب الرأي الأول قالوا أن أصل الاسم هـو (دنقي : لا)، الكلمة الأولى (دنقي) بلغـة الدناقـلة (أشكر) تعني (نقود)، والكلمة الثانية عربية وهي (لا) النافية؛ وأن معنى الاسم هو (لا توجد نقود). يقول أصحاب هذا الرأي أن سبب التسمية يعود إلى أن أهل دنقلا كانوا أن طولبوا بدفع الضرائب قالوا (دنقي لا).
أصحاب الرأي الثاني قالوا أن المدينة أخذت إسمها من كلمة (دنقل) أي الطوب الأحمر وذلك لأنها كانت مبنية بالطوب الأحمر.
القول بأن أصل أسم دنقلا هو (دنقي لا) يناقض حقائق التاريخ ذلك لأن المدينة نشأت وعرفت قبل عام 536 م. وهذا يعني أنها كانت موجودة قبل سنة 641 م وهي السنة التي حاول جيش المسلمين بقيادة عقبة بن نافع الفهري الإستيلاء عليها؛ وعليه لا يستقيم عـقـلاً وجـود كلمة عربية في أسم المدينة. إضافة لهذا فإن العرب لم يكونوا يكتبون إسم المدينة بلام ألف إنما بالام والتاء المربوطة؛ وقد أوردها أبن عساكر مرة بالنون والقاف هكذا (دنقـلة)، ومرة بالميم والكاف هكذا (دمكـلة).
أحد المقاتلين الذين شهدوا المواقع بين المسلمين والنوبة أورد أسم دنقلا في قصيدة له بالتاء المربوطة حيث قال:-
لم تر عيني مثل يوم دنقـلة * والخيل تعـدو بالدروع مثقـلة
أما الرأي الثاني الذي يقول أن أسم دنقلا جاء من كلمة (دنقل) النوبية التي تعني (الطوب الأحمر) لأن المدينة كانت مبنية بالطوب الأحمر، فإنه تخريج غير منطـقي لأنه يستوجب أمرين؛ الأمر الأول أن تكون المدينة في معظمها على أقل تقدير قد بنيت بالطوب الأحمر وهذا أمر غير مؤكد، الأمر المؤكد والذي تظهره الآثار أن قصر الملك هو المبنى الوحيد الذي بني بالطوب الأحمر؛ الأمر الثاني الذي يجب توفره لنقول أن المدينة أخذت إسمها من (الدنقيل) هو وجوب بناء المدينة بالطوب الأحمر قبل إطلاق هذا الإسم عليها، وهـذا القـول ليس من المنطق في شئ لأن اختيار إسم المدينة بعد إكتمال بنائها هو بمثابة وضع العربة أمام الحصان.
أقرب من هذين الرأيين ما ذكرته قبل فترة في لقاء إذاعي حين قلت أن الأصل النوبي لأسم دنقلا هو (دف : ن : قيلا)؛ كلمة (دف) تعني (حصن) والمقطع (ن) يستعمل مع الاسم المضاف إليه وكلمة (قيلا) تعني (أحمر) والإسم (دف : ن : قيلا) يعني (الحصن الأحمر)؛ وفي اللغة النوبية يحذف الحرف الأخير من الاسم المضاف إليه؛ مثال لذلك، نحن نقول عن (ولد الشيخ) (شيخ : ن : تود) وبحذف الحرف الأخير في الاسم المضاف إليه يصبح اللقب (شي : ن : تود) وينطق (شينتود)؛ وهكذا فإن الاسم (دف : ن : قيلا) يصبح (د : ن : قيلا) وينطق هكذا (دنقيلا) وهو نطق قريب من نطقنا لإسم (دنقلا)؛ إلا أني نبذت هذا الرأي لسببين؛ السبب الأول أن المعنى الحقيقي للإسم (د : ن : قيلا) ليس (الحصن الأحمر) إنما (حمار الحصن) وهذا لا معنى له.
السـبب الثاني إني أخـذت بمعـطيات أخرى أوصلتني لنتيجة مغايرة.
أول هذه المعطيات أن عيزانا ملك أكسوم ذكر في لوحه الذي سجل فيه أخبار معاركه مع النوبه أنه غزا مروي ليحررها من النوبة السود ويقصد بهم نوبة علوة. يقول عيزانا:
“شن السود الحرب على الناس الحمر ناقضين بذلك عهدهم وقسمهم وقد فعلوا ذلك مرة وثانية وثالثة ودون أي إعتبار ذبحوا جيرانهم”. ويقول أنه أرسل فرقاً من جيشه إلى علوه فدمروا مدنها، وأرسل فرقاً أخرى إلى الشمال من مروي: “حتى وصلوا حدود أراضي النوبة الحمر ورجعوا سالمين بعـد أن أسروا بعض الأعداء وذبحوا آخرين واستولوا على كثير من الغنائم”.
ويتضح من كلام عيزانا أن هناك نوبة سود جنوب مروي ونوبة حمر شمالها.
الأمر الثاني أن علماء الآثار وجدوا في هرم الملك المروي أمنتنمميد ثلاث موميات أتضح لهم أن إحداها لها صفات سكان البحر الأبيض المتوسط. وهذا يؤكد كلام عيزانا في وجود نوبة حمر.
الأمر الثالث أن إسم (سوبا) التي تعني (الأزرق) وهذا المعنى كان معروفاً في الماضي لذا سميت السلطنة التي قامت على أنقاض علوه بالسلطنة الزرقاء، والمعروف أن السودانيين عامة يقولون عن الشئ الخفيف السواد أنه أزرق.
وما دام أسم سوبا يرتبط بلون أهلها الزرق فمن المرجح أن يكون إسم دنقلا أيضاً مرتبطاً بلون أهلها الحمر.
اللون الأحمر يقال له باللغة النوبية (قيلا) عليه يكون أصل إسم دنقلا هو (دِين : قيلا) وكـلمة (دِين) تعني (أصل) وكلمة (قيلا) تعني (أحمر) والإسم (دِين : قيلا) يعني (أصل الحمر) أو (موطن الحمر).
إذن أصل إسم (دنقلا ) هو (دين : قيلا).
في القرن السادس الميلادي( 500 – 600 م ) قامت على ارض النوبة ثلاث ممالك هي مملكة نوباتيا في الشمال وعاصمتها فرس (فار : إسي) ومملكة المقره (موكرا)(2) في الوسط وعاصمتها دنقلا ومملكة علوه في الجنوب وعاصمتها سوبا. أعتنق النوبة في الممالك النوبية الثلاثة، نوباتيا والمقرة وعلوة، الديانة المسيحية بشكل عام سنة 543 م عـلى يد المـبشرين الذين أرسلهـم الامـبراطـور البيزنطـي يوستينيانوس وزوجته ثيودورا.
توحدت مملكتا نوباتيا والمقرة تحت قيادة ملك دنقلا في عهد الملك مرقوريوس (697 – 744 م ). وبقيت دنقلا عاصمة للمملكة الموحدة.
بعد أن فتح المسلمون مصر حاولوا لمرتين غزو النوبة؛ المرة الأولى كانت زمن أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب عندما قام عمرو بن العاص عام641م بإرسال جيش من المشاة والفرسان بقيادة أخيه غير الشقيق عقبة إبن نافع الفهري لغزو النوبة. وعن هذه الغزوة قال احمد الكوفي في كتابه (كتاب الفتوحات):- “أن عمرو بن العاص وزع على جنده ما جمعه من الضرائب والخراج في المغرب وأمرهم بغزو النوبة فتفرق الفرسان العرب الى كل الجـهات ونهبوا القرى وكل ما وجدوه في طريقهم الى النوبة. وقـد لحـق بالنوبة دمار كبير. فجهز النوبيون جيشاً جراراً يزيد عدده عن مائة الف مقاتل وهاجموا جيش المسلمين ودارت بينهم رحـى حـرب طاحنة منى فيها المسلمـون بخـسارات فادحة لم يشهدوا لها مثيلاً من قبل. وسقط منهم كثير مـن القتلى والجرحى ومفقويء الأعين. ورجعـوا عـلى أعقابهم الى مصر”.
ويقول البلاذري في كتابه (فتوح البلدان) عن إحدى المعارك بين النوبة والعرب:- “فتراشقوا بالنبال وسقط عدد كبير من الجرحى بين صفوف المسلمين فانكفئوا على أعقابهم وقد فقئت أعين الكثيرين منهم، لذا كنوهم برمـاة الحدق”.
ويحكي البلاذري في كتابه ما جاء على لسان شيخ من حمير شهـد الوقائع بين النوبة والعرب:- “شهدت النوبة مرتين في ولاية عمر بن الخطاب فلم أر قوماً أشد بأساً منهم ولقد سمعت أحداً منهم يقول للمسلم أين تحب أن أضع سهمي منك؟، فربما عبث الفتى منا فقال في مكان كذا فلا يخطئه. كانوا يكثرون من الرمي بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم في الأرض شيء. فخرجـوا الينا ذات يوم فصادفونا ونحـن نريد أن نجري حملة واحدة بالسيوف فما قدرنا على معالجتهم. ورمـونا حتى ذهـبت الأعين فعدت مائة وخمسين عيناً مفقوءة. فقلنا ما لها ولا خير من الصلح وإن سلبهم لقليل وإن نكايتهم لشديدة”.
عقد عمر بن العاص مع النوبيين إتفاقية (البقط) الأولى؛ وعن هذه الإتفاقية يقول المؤرخ إبن عبد الحكم في كتابه (فتوح مصر) أنه جاء فيها:- “إنا عاهدناكم وعاقدناكم أن توفونا كل سنة ثلثمائة وستين رأساً وتدخلوا بلادنا مجتازين غير مقيمين وكذلك ندخل بلادكم على إنكم إن قتلتم واحداٍ من المسلمين فقد برئت منكم الهدنة أو آويتم عبـداً للمسلمين فقد برئت منكم الهدنة”.
ونقضت إتفاقية البقط الأولى فعاود عمرو بن العاص إرسال الفرق العسكرية الى النوبة عاماً بعد عام حتى عزله الخليفة عثمان بن عفان من ولاية مصر وولى عـبد الله بن سعد بن أبي سرح بدلاً عنه وكان ذلك في عام 646م.
سار عبد الله بن أبي سرح الى النوبة عام 652م في حملة المسلمين الثانية ضد النوبة. وصل جيش المسلمين الى أسوار مدينة دنقلا رغم مقاومة النوبة الشرسة لهم. ودار قتال عنيف بين العرب والنوبة حول المدينة. كانت مدينة دنقـــلا محاطـة بأســوار منيعة صدت العرب عن دخولها فحاصروها وقذفوها بالمنجنيق فأصابوا بعض مبانيها؛ أما النوبة فكانوا يرمون العرب بالنبال من خلف أسوار مدينتهم فأصابوهم إصابات بالغة.
من التاريخ المروي أن النوبة كانوا بقاتلون المسلمين طوال النهار وعندما يأتي الليل ويتوقف القتال كانوا يفتحون أبواب مدينتهم ويضعون أمامها الطعام لجيش المسلمين.
أدرك عبد الله بن أبي سرح إستحالة الإستيلاء على دنقلا فعرض الصلح على ملكها (قاليدوروت) الذي وافق وخرج اليه وفاوضه وعقد معه إتفاقية (البقط) الثانية وكان ذلك عام 652م. ذكر المقريزي في كتابه (الخطط) البنود التي جاءت في الإتفاقية، ومما ذكره:- “إنكم معشر النوبة آمنون بأمان الله وأمان رسوله محمد النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا نحاربكم ولا ننصب لكم حرباً ولا نغزوكم ما أقمتم على الشرائط التي بيننا وبينكم على أن تدخلوا بلادنا مجتازين غـير مـقيمين فـيها وندخل بلادكم مجتازين غير مقيمين”.
وعن السلع التي إلتزم المسلمين بتقديمها للنوبة مقابل ما يقدمه النوبة لهم قال المقريزي:- “… ويدفع اليهم ألف أردب قمحاً ولرسوله ثلاثمائة أردب ومن الشعير كذلك ومن الخمر ألف إقتين للمتملك ولرسوله ثلاثمائة إقنين وفرسين من نتاج خيول الأمارة …”
يبدو من بنود إتفاقية (البقط ) ومن إسمها أنها لم تكن لا زكاة ولا جزية إنما كانت إتفاقية تجارية.
لقد حاول المؤرخون إيجاد معنى كلمة (بقط) في اللغة الرومانية والاتينية وهذا أمر غريب؛ كيف يطلق العرب وهم أهل فصاحة ولسان والنوبة وهم أصحاب ثلاثة لغات تكتب بأربعة أبجديات كلمة لاتينية أو رومانية على إتفاقية تمت بينهم. إن كلمة (بقط) كلمة نوبية قد تكون (باجت) وتعني (المكتوبة)، وقد تكون (بقد) التي تستعمل في توزيع نتاج محاصيل الساقية على أصحابها وتعني (الأنصبة) أو (الخشوم).
مسجد دنقـلا العجوز…
عندما إمتنعت مدينة دنقلا على جيش المسلمين بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح حاصرها، وأثناء الحصار بنى المسلمون مسجداُ خارج أسوار المدينة وقــد جاء في إتفاقية البقط عن هذا المسجد:- “وعليكم حفظ المسجد الذي إبتناه المسلمون بفناء مدينتكم”
يزعم البعض أن المسجد المذكور في إتفاقية البقط هو مسجد دنقلا العجوز وهذا غير صحيح فالعرب لم يدخلوا دنقلا فكيف بنوا مسجداً داخلها؟. ثم أن الإتفاقية تتحدث عن مسجد في فناء المدينة وفناء المدينة يعني الأرض الفضاء خارج سورها. أما مسجد دنقلا العجوز فهو مسجد عبد الله برشمبو الذي حول الطابق الأعلى من القصر الملكي الى مسجد أديت فيه الصلاة لأول مرة يوم 16 من ربيع الأول من عام 717هـ الموافق 29 مايو من عام 1317م.
أفول شمس دنقلا العجوز…
عـام 1324م إعـتلى كنز الدولة بن شعاع الدين عـرش دنـقـلا الـذي ورثه عـن طريق أمه لكونها إحدى أميرات دنقلا رغم أن أباه عربي من قبيلة جهينة. فتح كنز الدولة باب الهجرة لأرض النوبة أمام العرب من جهينة وبني جعد.
يقول إبن خلدون في كتابه (العبر):- “ثم انتشرت أحياء العرب من جهينة في بلادهم وملكوها وملئوها عبثاً وفساداً. وذهب ملوك النوبة إلى مـدافعـتهم فعـجزوا ثم صـاروا إلـى مـصانعتهم بالصهـر فافـترق ملكهم وصار لبعـض أبناء جـهينة من أمهاتهم”.
العرب الذين دخلوا النوبة تقاتلوا فيما بينهم وتفرقوا إلى طوائف وشيع على رأس كل طائفة أو شيعة رئيس أو ملك. قال المقريزي في كتابه ( السلوك ) أنه في عام 1365م أستعان إبن أخـت ملك دنقلا وهو من أب من جهينة بقبيلة بني جعد وخلع خاله ونصب نفسه ملكاً. غير إنه لم يكن يثق في بني جعد فدعى زعماءهم إلى وليمة في قصره ثم أمر رجاله فسدوا أبواب ونوافذ القصر بالحطب وإشعلوا النار فيه فهلك تسعة عشر زعيماً من بني جعد.
في عام 1505م أقام الفونج سلطنتهم الزرقاء في سنار؛ وبمساعدة العبدلاب تمكن سلاطين سنار من فرض سيطرتهم على الممالك التي نشأت في أرض النوبة ومنها مملكة الشايقية التي قامت بشن الغارات على الممالك النوبية الأخرى، فخربوا دنقلا العجوز وقتلوا الكثير من أهلها؛ وهكذا انهارت زينة مدن التأريخ بعـد أن عاشت تصنع التأريخ لأكثر من ألف عـام.
آثار الممالك النوبية المسيحية…
من آثار الممالك النوبية الثلاث العديد من الكنائس التي تنتشر من أسوان وحـتى سنار. ولقد بنيت تلك الكنائس على نمط الكنائس البيزنطية وهي في معظمها صغيرة الحجم مستطيلة الشكل تزين جدارها رسومات دينية رائعة. وكانت الكنائس النوبية تستخدم اللغة النوبية في كتابة الأنجيل والصلوات والوثائق الرسمية، وأستخدمت في الكتابة الحروف الإغريقية والقبطية بعد أن أضيفت لها حروف نوبية جديدة لتغطي نطق جميع الكلمات النوبية. عن آثار نوباتيا والمقرة يقول الأب دكتور فانتيني في كتابه: ” في عـهد الملك قـرقي تم بناء عدد كبير من الكنائس النـوبية وكانت جـدرانها مزدانة بصـور في غـاية الجمال الفـني كـما يظهر من الصور التي تم إكتشافها في كاتدرائية فرص وفي كنيسة سنقي غرب”. ويواصل الأب فانتيني: “لقد تم إكتشاف الكثير من التحـف الأثرية القيمة من التصوير والنحـت والأواني الفخارية التي تدل على إزدهار لا مثيل له من قبل ولا من بعـد”.
وعن مملكة علوة يقول الرحالة العربي إبن حوقل: “ومن أعمر بلاد النوبة نواحي علوة وهي ناحية لها قرى متصلة ذوات مياه متصلة بسواقي على النيل”.
ذكر أبي صالح الأرمني أن سوبا في عام 1190م كانت مدينة عظيمة تحيط بها البساتين والمزارع وكان بها حوالي 400 كنيسة.
كان يصنع في دنقلا وسوبا نوع فاخر من الفخار، أما فخار دنقلا فكان عبارة عن أواني صغيرة الحجم من الطين ذات ألـوان مـتعـددة منها الأصفـر والأبيض والبرتقالي ومزانة برسوم لرؤوس طيور وشعارات مسيحية مثل الصلبان؛ أما فخار سوبا فهو فخار أسود اللون ومزان بزهور صغيرة حمراء وصفراء. بجانب هذا النوع الراقي الفخار عرف في سوبا نوع ثاني ذو طابع محلي عبارة عن أواني كبيرة الحجم ذات لون أسود أو أحمر ومصقول صقلاً جيداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- البلميين جمع بلم، و(بلم) بلغة النوبة تعني (صنم) وبما أن الصنم شيء لا يعقل فقد يكون المقصود الغبي أو المتخلف أو العي الذي لا ينطق؛ وحتى الآن تستعمل الكلمة لتدل على نفس المعنى فهناك مثل متداول يقول “القلم ما بزيل بلم”
2- أصل اللقب النوبي سلكو هو (سلي : كو)؛ كلمة (سلي) تعني (تنقية) وتستعمل لتنقية القمح من الأوشاب، وكلمة (كو) تعني (أسد)؛ واللقب (سلي : كو) قد يعني (الأسد المختار)؛ وقد وصف الملك سلكو نفسه في نقشة بأسد السهول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ