الحق أبلج والباطل لجلج
زمان عجيب وشئ غريب ولو حضره أعشي همدان ارتد بصيرا من هول الفاجعة وثقيل ما سمع فأبي بصره إلا أن يعود ليري فلما رأي بأم عينه ركب جناحي نعامه وطار الي حيث زمانه متعوذا برب الفلق ، وإذا ما نزل جرير برفقة الفرذدق في ساحة المكان حتما لتركا الهجاء لبعضهما واتفقا سويا علي هجاء أهل المكان ولأتيا بهجاء ذو منطق قذع كما دنس القبطية الودك أو تلو من الأي ما يحفظهما من الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين علي ملك سليمان ، أو يقول الشيطان إني أري ما لا ترون حين تضيع الحقيقة ويصدق الكاذب ويكذب الصادق وينتشر المتمشدقون والآكلون من لحم أخيهم ميتا دون كره ، والمتكسبون من عرضهم ليزيد عرضهم وفي ذلك ينسجون الروايات ويحكون الحكايات بثومها وشمارها وبصلها وفومها وعدسها ولكن بصلتهم لم تمت ولم ترق حلتهم الي أم بق بق وملحها لم يكتمل ولم تكن سخينة ولم تعالجها طحينة فلم تمتد إليها الأيادي ولم تجد سوقا وسط السوقة فكيف يصدقها عاقل ، فتجارتك ردت إليك فتسربل بالحسرة فقد نزع عنك الحياء وسرت بلا حياة ، ومن فتح بابه وغاب حارسه كثر عليه الداخلون وولج جوفه السحت فلم يقو علي سير ونزع ستره وباع جوهره ، وصار يرتجف وسط المدينة من سوء ما بشر به ، وقد ظن أن الأمر هين فارتد عليه سهمه وأصابته نيران صديقة ، فالأمم تبني بالأخلاق وتسير بالأخلاق وتبقي بالأخلاق والزعامة تتأتي بالإقدام ولن ينالها لئيم أو عتل أو زنيم ، ومن أراد أن يكسب من فعل بمفعول فسرعان ما ينكشف أمره وتتسوره الفضائح ويتمني يومئذ إن لم يكن شئيا مذكورا ، فلنمشي علي الأرض هونا فإننا لن نخرق الأرض ولن نبلغ الجبال طولا ، فلنحترم العقول ولا نفكر كالعجول وقد خلق الإنسان عجول ولكنه غير جهول اذا دخل ببوابة إقرأ وأرسل البصر كرتين فاحذروا الأدعياء الكذبة فإن حبالهم قصيرة وبيتهم أوهن من بيت العنكبوت فابحثوا ونقبوا واعملوا العقل فإن الحق أبلج والباطل لجلج .
محمد عثمان المبارك