مشاهير ولدوا في رمضان محمد مفتاح الفيتوري
ظِلَال القمــــــر
عبدالرحمن محمـــد فضــل
amff95@yahoo.com
الفيتوري (1936-2015) هو شاعر سوداني بارز يعتبر من رواد الشعر الحر الحديث، ويلقب بشاعر إفريقيا والعروبة وتم تدريس بعض أعماله ضمن مناهج آداب اللغة العربيةفي مصر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كما تغنى ببعض قصائده مغنّون كبار في السودان ولد (محمد مفتاح رجب الفيتوري) في 24 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1936م في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور الحالية بالسودان ووالده هو الشيخ (مفتاح رجب الفيتوري) وهو ليبي الجنسية ، وكان خليفة صوفي في الطريقة الشاذلية، العروسية، الأسمرية.
نشأ محمد الفيتوري في مدينة الإسكندرية بمصر وحفظ القرآن الكريم في مراحل تعليمه الأولى، ثم درس بالمعهد الديني وانتقل إلى القاهرة حيث تخرج في كلية العلوم بالأزهر الشريف بمصر، واذا تطرقنا لمشوار حياته العملية فنجد ان الفيتوري قد عمل محرراً أدبياً بالصحف المصرية والسودانية، وقد تم تعينه خبيرًا للإعلام بجامعة الدول العربية في القاهرة في الفترة ما بين 1968 و 1970 ثم عمل مستشارًا ثقافياً في سفارة ليبيا بإيطاليا كما عمل مستشارًا وسفيرًا بالسفارة الليبية في لبنان، ومستشارا للشؤون السياسية والإعلامية بسفارة ليبيا في المغرب ومن المحطات البارزة في حياته نجد انه أسقطت منه الحكومة السودانية الجنسية السودانية وذلك في عام 1974 إبان وسحبت منه جواز السفر السوداني، لمعارضته النظام آنذاك وبعد هذا المقف وقفت بجانبه الجماهيرية الليبية وأصدرت له جواز سفر ليبي وارتبط الفيتوري بعد ذلك بعلاقة قوية بالعقيد معمر القذافي ، وعندما سقط نظام القذافي سحبت منه السلطات الليبية الجديدة جواز السفر الليبي، واتخذ من المغرب مكان لاقامته مع زوجته المغربية في ضاحية سيدي العابد، جنوب العاصمة المغربية الرباط وفي عام 2014، عادت الحكومة السودانية ابان عهد المشير عمر البشير ومنحته جواز سفر دبلوماسي،
يعتبر الفيتوري جزءًا من الحركة الأدبية العربية المعاصرة، وهو من رواد الشعر الحر الحديث، ففي قصيدة «تحت الأمطار» نجده يتحرر من الأغراض القديمة للشعر كالوصف والغزل، ويهجر الأوزان والقافية، ليعبر عن وجدان وتجربة ذاتية يشعر بها وغالبًا ما يركّز شعره على الجوانب التأملية، ليعكس رؤيته الخاصة المجردة تجاه الأشياء من حوله مستخدماً أدوات البلاغة والفصاحة التقليدية والإبداعية، ففي قصيدة (معزوفة درويش متجول) يقول الفيتوري
في حضرة من أهوى عبثت بي الأشواق
حدقت بلا وجه ورقصت بلا ساق
وزحمت براياتي وطبولي الآفاق
عشقي يفني عشقي وفنائي استغراق
مملوكك لكني سلطان العشاق ومن اللافت للنظر في الفيتوري انه
اتخذ أفريقيا مسرحا أساسياً في نصه الشعري، حيث تشكلت فيه محنة الإنسان الأفريقي وصراعه ضد الرّق و الإستعمار، ونضاله التحرري مما جعلت هذه المسألة هي
أهم الموضوعات التي تناولتها قصائده، وألف الفيتوري عدة دواوين في هذا المضمار منها ديوان (أغاني أفريقيا) الصادر في عام 1955، و (عاشق من أفريقيا) وصدر في عام 1964م، و(اذكريني يا أفريقيا) ونشر في عام 1965 ، وديوان (أحزان أفريقيا) والصادر في عام 1966، حتى أصبح الفيتوري صوتَ أفريقيا وشاعرها المفوه حيث نجده في إحدى قصائده او (إفريقياته) اذا جاز الوصف يقول
جبهة العبد ونعل السـيد
وأنين الأسود المضطهد
تلك مأساة قرون غبرت
لم أعد أقبلها لم أعد.
وايضا لقد وجد الهم العربي مكانة في أعمال الفيتوري وذلك من خلال تناوله للقضايا العربية، خاصة (القضية الفلسطينية) فقد تنقل الفيتوري بين العديد من بلدان الوطن العربي ومدنه من الإسكندرية وحتى الخرطوم ومن بيروت و دمشق حتى بنغازي و طرابلس، وكتب العديد من القصائد المهمة التي جعلته واحدًا من كبار الشعراء العرب المعاصرين، فهو يقول:
لقد صبغوا وجهك العربي
آه… يا وطني
لكأنك، والموت والضحكات الدميمة
حولك، لم تتشح بالحضارة يوما
ولم تلد الشمس والأنبياء.
وايضا نجد الفيتوري كتب عن الحرية والانعتاق ومناهضة القيود والاستبداد، والاعتزاز بالوطن منذ بداياته الشعرية، ففي قصيدة (أصبح الصبح) والتي تغنى بها المغني السوداني محمد وردي يقول فيها الفيتوري
أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق
وإذا الفجر جناحان يرفان عليك
وإذا الحسن الذي كحل هاتيك المآقي
التقى جيل البطولات بجيل التضحيات
التقى كل شهيد قهر الظلم ومات
بشهيد لم يزل يبذر في الأرض بذور الذكريات
أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا
بالذي أصبح شمساً في يدينا
وغناء عاطرا تعدو به الريح، فتختال الهوينى
وفي قصيدة أخرى يقول:
كل الطغاة دُمىً
ربما حسب الصنم، الدمية المستبدة
وهو يعلق أوسمة الموت
فوق صدور الرجال
أنه بطلاً ما يزال.
إلى جانب نظمه للشعر نشر الفيتوري العديد من الأعمال النثرية والنقدية، وبعض الدراسات في الصحف والمجلات العربية وتمت ترجمة بعض أعماله إلى لغات أجنبية ومن بين تلك الأعمال المترجمة
نحو فهم المستقبلية (دراسة)
(التعليم في بريطانيا)
(تعليم الكبار في الدول النامية)
ومن الجوائز التي حصل عليها محمد الفيتوري (وسام الفاتح الليبي) من ليبيا و(الوسام الذهبي للعلوم والفنون والآداب) من السودان
توفي محمد الفيتوري في يوم الجمعة 24 أبريل / نيسان 2015م، في المغرب التي كان يعيش فيها مع زوجته المغربية عن عمر ناهز 78 عامًا بعد صراع طويل ومرير مع المرض حيث اصيب بعدة جلطات،
واللافت للنظر ذلك الخلاف الذي دار حول مكان دفن “الفيتوري مما يتسبب في أزمة بين زوجته المغربية وسفارة السودان
فدولة السودان تريد دفنه في أراضيها بينما تريد زوجته المغربية أن تدفنه في المغرب بالقرب منها
حيث ذكر احد حضور هذه المشكلة في تدوينة له بالفيس بوك، من المستشفى حيث كان يرقد جثمان الفيتوري ، قائلا نحن الآن في المستشفى في انتظار الجثمان وهو يغسل الآن الحكومة المغربية أعدت له تشييعا رسمياً، فيما تصر سفارة السودان أن تحمل الجثمان بطائرة خاصة ليدفن في موطنه، بتوجيه من رئاسة الجمهورية، زوجة الفيتوري تريد أن يدفن بقربها وبقرب ابنتها لتزوره متی ما شاءت وتأخذ علی الحكومة السودانية تقصيرها طوال الأربع سنوات الاخيرة خلال مرضه عندما كان الشاعر في حاجة للدواء والرعاية الصحية، اليست هذه الزوجة المغربية اكثر وفاءا من الحكومة.