عام مضي !
عام مضي بما مضي يحمل في جوارحه الردي ، مخضب الأيدي حمر الأظافر ، عام عنوانه الهروب الكبير ، عام كتب خطاه بالدم والدموع ، عام رجعنا فيه القهقري حيث لا معني للإنسان ولا مكان للإنسانية ، ندخل في العام الثامن بعد الستين ولم نبلغ من أمرنا رشدا ، ولم يكن بنا رشيد ولم نأوي الي ركن شديد وكيف نبحث عن حلول عند الذي يتسربل بمشاكله الداخلية ولو كان يملك حلا لما كان حاله كما نشاهد ونري ، فقيلي مع عفره ، وأبي أحمد مع التقراي ، ووكيل إسرائيل مع جيش ربه ، وثلاثتهم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، فهم قطع شطرنج تحركهم أيادي أجنبية ويبيعون مواقفهم بكرة وعشية ، ويضعون يدهم ومسدسهم مع من يدفع أكثر وهم له خادم مطيع وكذا بازارهم مفتوح وأمرهم مفضوح ، يرتمي في حضنهم تالف الرأي ، ويبتغي عندهم الحل من يجهل مصابهم ، عام مضي ومضي من الإستقلال أعوام واعوام وسنين وحقب عجاف لا تعي لا تنطق ، مرت أجيال علي أجيال لم نقرأ تاريخ ولم نتدبر أمرنا فسرنا مكبين علي الوجوه ولم يكن لنا إمام مبين ، حتي أصبحنا نحكي عن ماض تولي ونعيش فيه بل نرجع لما قبله وتختفي الشمس عن سمائنا رويدا رويدا ، حتي نظرنا الي الظل الكئيب ودخلنا غرار الهوة السوداء متأبطين جهلا أورثنا الغرور فكنا كالطرور تلعب بنا الأمواج وتتقاذفنا حيث تسير ، وتهوي بنا الريح من مكان سحيق ، عام مضي عشنا حياة مهلهل وموت كليب فدخلنا داحس والغبراء ومازال مثار النقع فوق رؤوسنا ، وحرب بشعارها الكذوب وسياسي متحير يلوك بين شفتيه لبانة ضل طريقه وضاعت خطاه فوقف بعيدا عن شعبه وكتب نفسه في الجانب الخطأ من التاريخ وغني حبيبي آه قلبي تاه ، ولكن لم يأتي يوم الزيارة ، فمن يزور ! فقد خلت الدار من صاحب ذكرياتها وطاف عليها ساط لم يملك مفاتيحها وقطنها من لم تعرفه ولم يعرف أركانها ولم تذكره ولم يذكرها وليس له فيها ذكري ولا ذكريات ، وأحوال مضطربه وتاريخ كذوب ، وصراع أقلام بعضها مأجور وبعضها محبط وبعضها هابط وصراخ وهياج وعراك في غير معترك ، وحامل الأثافي مدفوع الأجر ومحتطب وحمالة الحطب ومن يخوض مع الخائضين ويركب مع الراكبين وكثير من الذين يخربون بيوتهم بأيديهم ، مشهد عقده من عقده ، وطن باعه من باعه ، فمنهم من يقول للشعب أهرب ، فقد هلك سعد فأهرب سعيد ، فأين يهرب وكيف ! والي أين ! فهل يعرج الي السماء أم يخرج من أرض له وسماء ، فهنا كان أبيه وهنا مات أبيه ، وهذا بيته الذي بناه بكد وعرق وعنت وشقاء وها هو قد أصابته وقائع الدهر وداعبه النذير فكيف يفارق مهد صباه ومراتع أنسه فذاك لعمري الموت نفسه وكيف به أن يموت موت حرب الذي مات بمكان قفر وكان ليس قرب قبر حرب قبر ، فهو لا يملك مراكب ليعبر بها حتي يقول عدي بينا يا ريس ، ولم يكن له جليس ولا أنيس ولا موضع ولا منزل إن فات مرتع الصبا ومهد الأجداد ، ثم ماذا يقول لهم حين يلتقي الأباء والأجداد ، أيقول لهم فعلت ذلك خوفا من الموت ! فتأتيه الإجابة منهم سريعا ، إن الموت الذي تفرون منه ملاقيكم ، وإذا نظر الي يمينه يطلع علي حديث أفضل الخلق ، من مات دون أرضه وأهله وحقه شهيد ، وإذا عرج الي الآفاق برز له التاريخ ورأي وقرأ بأم عينه صفحات الفخر والإعتزاز ، وصوت شاعر يملأ الدنا ، وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق ، وصوت المغني وطني نحن سيوف أمجاد ، ثم أنا لست رعديدا يكبل خطوه ثقل الحديد ، فيقرأ من جديد أن الأوطان يحرسها بنوها وأن البيوت يحرسها أصحابها ، فهي بهم تعرف وبها يعرفون ، وأن المشاكل يحلها أصحابها ، وأن الدول تنهض بالسلام وأن للسلام ثمن ولكل غال ثمن باهظ ومكلف ، فالدفاع عن الحقوق والسلام لا يتناقضان ، والأوطان تبني بعد النوازل والتاريخ تبين سطوره لمن نظر نظرة في النجوم فلتمس هدي ونادي في قومه إنى لكم من الناصحين أن تعالوا لكلمة سواء تكونوا من الآمنين ولا تضعوا أصابعكم في أذانكم ولا تستغشوا ثيابكم فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين ، فادركوا الوطن قبل فوات الأوان ولات حين مندم .
محمد عثمان المبارك