جـدودنـا زمـان وصـونا ..!!
وفــاء قــمــر بــوبا
ذهـب إلى غرفـة جـده، ركـض إلى الـدولاب، وأمسـك الصنـدوق الخشـبي ثـم فتـح غطـاءه كـي يـرى الكنـز الغـالي الثميـن الـذي أخبـرهُ جـده عـن وجـوده فـي ذلك الصـندوق، لكنـهُ لـم يـجد سـوى حفـنة مـن تـراب وقطعـة صغيـرة مـن القمـاش، فـخفـق قلبـه وشحـظت عينـاه وارتجـفت يـداه وهـرولت رجـلاه راكـضة نحـو جـده وهـو يصـرخ: (يـا جـدي..!! يا جـدي..!! لقـد سـرق اللصـوص الكنـز الثميـن) ..!!
أمسـك جـده بيـده وذهـب معـه إلـى الغـرفة، وفتـح الـدولاب واقتـرب مـن الصنـدوق، ثـم فتـح الغطـاء ونظـر إلى داخلـه ، وابتسـم وقـال له: (لا يا بنـي، الكـنز في مكـانه، لم يسـرق اللصـوص أي شـئ)..!!
فصـاح الابـن بأعـلى صـوته: (ألم تقـل لـي يا جـدي إن الصنـدوق فيـه كنـز ثمـين لا يُقـدر بمـال؟!)، ضحـك الـجـد وقـال:
نعـم يا بنـي إنـه تـراب الوطـن الـذي حاربـت مـن أجـله عنـدما كنـت شـاباً وسأقـص عليـك القصـة كاملـة..!!
وأكمـل حديثـه قائـلاً: (عنـدما كنـت شـاباً طمـع فـي أرض وطنـنا الحبيـب الأغـراب، وأتـوا بجنـودهم وعمـلائهـم واحتـلوا وطنـنا، ودنسـوا أعـراضـنا، وأسقـطوا رايـة الـدين الإسـلامـي، وهـاجمـوا حكـامنا وكـان مـن بين الحكـام آنـذاك حـاكم “حـكيـم” فقـرر أن يقاومهـم..!! وقـام بتجهيـز جيـش مـن شبـاب الوطـن المُحبيـن لبلادهـم وكنـت منهـم، ثـم أصـدر فـوراً قـراراً بتعيينـه مفكـرين وعـلماء وأدبـاء فـي مخـتلف الإختـصاصات والمجـالات كـ “مسـشارين” لـه في هـرم الـدولة..
.
.
بعـد عـدة سنـوات مـن التجهـيز للحـرب والاستعـداد والتـدريب حـاربنا هـؤلاء الأغـراب والـعمـلاء وجنـودهم وانتصـرنا عليـهم وطردنـاهم مـن أرضنـا ووطنـنا الحبـيب..!! وعـندما شـاركت فـي المعـركة وبعـدما انتصـرنا أخـذت جـزء مـن تـراب الأرض التـي حـاربت عليـها ومـن أجلهـا وحملـته معـي بعـد المعـركة إلـى أن وصـلت إلى منـزلي واحتفظـت بـه لأتذكـر دومـاً أن أرض الوطـن هـي الكـنز الـذي لا يُقـدر بمـال)..
سـأل الإبـن جـده: (ومـا تلـك القطعـة القماشيـة التـي بالصـندوق يا جـدي ؟!)..، فأخبـره أنهـا جـزء مـن علـم الوطـن الـذي رفرف يـوم الانتصـار، أخـبره بـأنهم قامـوا برفـع العلـم بعـد الانتصـار في المعـركة وطـرد الأغـراب المحتليـن وأنـه ومعـه زمـلاءه احتفظـوا بهـذا العـلم لسـنوات طويلـة..!!
“جـدودنا زمـان” حـدثونـا عـن عن بـلادنا وأوطاننـا، عـلمونا بـأن لا نسمـح لأي غـريب أن يـأتي ويأخـذ مـنا أرضـنا أو يحتـل بلادنا أو نفـرّط في ديـننا وهـويتنا السـودانية، “وصـونا” أن نبـذل مـن أجـل أوطـاننا كـل غـالي ونفيـس ونضحـي مـن أجـل الوطـن بأرواحـنا..
ليـس شـرطاً أن نرتـدي العـلم الوطـني ونصـرخ فـي جـيشنا حتى نكـون وطنـيون.. بـل يمكننـا أن نكـون أكثـر وطنيـة:
• إذا وضعـنا قمـامة الأفكـار والسـلوكيات فـي المكـان المخـصص لهـا بمكـب النفـايات.
• إذا التـزمنا بتحـضرنا وسلمـيتنا وأوصلنـا رسالة تـرقى للمشـاركة فـي وضـع رؤيـة وطنـية شـاملة بعيـداً عـن الحمـاس الثـوري الـذي سفـك الـدماء ورشـق الأحجـار.
• إذا صنـعنا بهـذه الـثورة “شـرف الحـياة” عـبـر تـحقـيق غـايات الـوطـن الكـبرى.
أخـتـم مقـالي هـذا بكـلمات ذات معـانٍ راسـخة مستمـدة مـن خـطبة وداع د. حمـدوك فكـانت بمثـابة الوصـية الأخـيرة للجـان المقـاومة وشـباب الثـورة حـين قـال:
(قدمتم كل غالٍ ونفيس ونلتم احترام الجميع، وإن توجتم هذا الحماس الثوري بالتوافق على برامج للبناء والمشاركة في وضع رؤية شاملة لما يجب أن تكون عليه الأمور فيما تبقى من عمر الانتقال.. اعلموا أن الحياة من أجل تحقيق الغايات الكبري لا تقل شرفاً عن الاستشهاد في سبيلها والثورة في جوهرها دعوة للحياة).
