أبيناها مملحة…جاسفناها قروض !
من أعلى المنصة
ياسر الفادني
الشعراء في العهد القديم….. كانوا عندما يبدأون في نظم القصيدة يستفتحونها بالبكاء علي الأطلال ، زهير بن أبي سلمة عندما بدأ قصيدته الميمية قائلا و مشبهاً دار (أم أوفى) بالوشم على المعصمِ …..
ودارٌ لَهَـا بالرَّقْمَتيْنِ كأنَّهامراجعُ…… وشْمٍ فِي نواشِرِ معصمِ….
ومطلع القصيدة عند الشعراء القدامي تشبه عندنا مايسمي( بالرمية) والرمية هي بوابة الدخول السلسلة إلي الأغنية السودانية ….عند الشعراء المخضرمين تعني البكاء والتحسر علي ما فات…… وذكري لزمن جميل ولي… وعندنا نحن كذلك…..( الحوت ) رحمه الله …. غني علي الأطلال برائعته الفات زمان… ودندن : الكنت قايلوا فات زمان…..رجعتوا لي طعم الغنا…….أحلام صباي و الذكريات هومت بي باالدندنة….أتاري في جواي نغم…. بكي الراحل المقيم علي مافاته….. من زمن جميل….. وبكينا نحن عليه…… لأننا فقدنا صوتا شجيا ونغما طروبا …. المهم في الأمر أنهم كلهم بكوا علي مافات وإن إختلفت الطريقة…..
هذا في الأدب والغناء…… لكن البكاء في السياسة علي الأطلال وعلي مافات….. أشد الما …..وأمر طعما واقسي انينا ، من حكموا ثلاث سنوات … بداية أبكونا فرحا عندما حلوا علينا ( جداد لنج ) !! جاءوا من البلاد الباردة وقبل أن يسخن غلاف جوازاتهم الأجنبية قصوا علينا قصة وطن ضاع ثلاثين عاما وهم أبطال للمشهد القادم وظنوا أنهم كما يقولون رواد السينما بعد الصفارة : البطل ما بيموت …… وحلوا زمرة (ديجانقوا) الذين سوف يبسطون العدل ويطردون الظلم إلي غير رجعة…. وظلو يتحدثون هنا وهناك….. ونحن نبكي فرحين ويظهرون عيوبا سابقة كانت هناك صحيحة كانت أم كذبا….
…..ونحن نجعر جعيرا شديدا …وصفقنا لهم وظننا أنهم المنقذون لكنهم عندما إستلموا الحكم أبكونا مرة أخرى حسرة وندامة…. ومع البكاء جابت ليها ( عصرة) و(طليع زيت) ! وبسببهم ظلننا نبكي حتي الان وهم للأسف لايخجلون !
من كانوا في العهد البائد عبدوا الطرق في كل ولايات السودان وهم لم يرصفوا طريقا واحدا حتي الطريق الذي تحفر لم تطاله يد الإصلاح…… و قالوا عنهم الهادمون….حكومة العهد البائد صاحبة (إلا) !! كآنت لها خطط و برامج و تنمية نفذ منها مانفذ….و لازال مانفذ يحكي عن ماض تليد وإنجاز وهم ليس لهم خطط ولا رؤية وقالوا هم المخربون ، الذين…. حكموا ثلاثين عاما ……كل عام يقدم لهم المراجع العام تقريره السنوي ويناقش ولم نسمع تقرير المراجع العام طوال فترة حكمهم وقالوا هم الفاسدون ، الذين ذهبوا وسعوا المواعين التعليمية وفتحوا الجامعات واستقر التعليم الجامعي وهم لم يفتحوا جامعة جديدة وجمدوا الدراسة حتي إختلطت الدفعات وقالوا ….هم الفاشلون ، الذين ذهبوا تركوا الدولار ٧٠ جنيها والمزاحون من الحكم وصل في عهدهم الدولار 500 جنيها …وقالوا هم الخاسرون ، من ذهبوا تركوا سعر البيضة ٥ جنيهات وكيلو الموز ٢٠ جنيها والآن سعر البيضة وصل 100جنيها وكيلو الموز 300جنيها والرغيفة كانت بجنيه واحد وفي عهدهم وصلت 50 جنيها و قالوا هم الواهمون…..، كل شيء تحرك للأسواء وقالوا الذين ذهبوا قد رسبوا وهم الناجحون…..
للأسف نحن شعب تجذبنا العاطفة السياسية ولا ننجذب للعقل السياسي ، نحن شعب وصلنا مرحلة من الطيبة والظن الحسن بحيث يمكن لأي فئة أن تشكل طينتنا السياسية وتعجنها و(تلتها) علي حسب ماتريد ، نحن شعب الغنماية يمكن لها أن (تأكل عشانا ) حين غفلة …. إذن ذهب من أنجز ولازال من فشل ثلاث سنوات يبحثون عن السلطة بلا خجل …..إذن أبيناها مملحة و أكلناها قروض (بالمجاسفة) .