إحذروا الابارتايد السياسي الذى يروج له المجلس المركزى
على عسكورى
١٨ نوفمبر ٢٠٢٢
يصدم المرء عندما يشاهد ويسمع اعضاء المجلس المركزى (احد مكونات الحرية والتغيير)، يروجون علنا لابارتايد سياسي في بلادنا وضعوا فيه انفسهم فوق الجميع ثم صنفوا باقي القوى السياسية والاجتماعية في تراتيبية حددوها هم لوحدهم في ازدراء مستفز لاى مواطن.
السؤال البسيط: من اين اتوا بهذا الحق الذى يضعهم فوق الجميع؟
يروج اعضاء المركزى حديث الابارتايد السياسي هذا علنا وعلى رؤوس الاشهاد لفرض تميزهم على بقية السودانيين، فهم لوحدهم ما يسمونه(قوى الثورة)، بل هم من يحدد ثورية القوى السياسية والافراد الاخرين، وهم وحدهم من يحدد التراتيبية السياسية والتصنيف والتموضع للقوى السياسية الاخرى، وموقعها من السلطة الانتقالية ودورها. لا يستحون ابدا من التعبير عن وصائيتهم على الاخرين وتمسكهم بدور (الالفاء) في بلادنا !
بالطبع لم يكن بوسعهم الاعلان عن ابارتايد عرقي فذلك غير ممكن، لذلك اختاروا تأسيس ابارتايد سياسي متخذين من سياسات الفصل العنصري السابقة هاديا لهم بعد تحويلها الى فصل سياسي.
ترى هل الابارتايد شيئا اخر غير الفصل، عرقيا كان او سياسيا..!
الصادم في كل ذلك انهم يتوهمون ان القوى السياسية والمواطنين سيقبلون ان يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في بلادهم يقبلون كل ما يمليه عليهم بهلوانات المجلس المركزى المسنودين بقوي خارجية ممثلة في الرباعية وخامسها فولكر..!
لقد فرضت الابارتايد العرقية في جنوب افريقيا سابقا بصورة صارمة بعد فوز الحزب القومى عام ١٩٤٨، ورغم ان قوانين كثيرة صبت في ذات الاتجاه منذ بداية القرن العشرين، لكن العام ١٩٤٨ شهد تطبيقا صارما للفصل بين السكان البيض والافارقة والملونين وتم الزام الجميع بالعيش في مناطق خاصة بكل مجموعة كما منع الزواج بين البيض والملونين والافارقة بل منعت حتى العلاقات الجنسية الشهوانية بين البيض والاجناس الاخرى بنص القانون.
لقد كانت الابارتايد سياسة فرضتها النخبة الحاكمة في الحزب القومى التى سيطرت على السلطة وبتلك السياسة ادخلت جنوب افريقيا في كارثة سياسية واجتماعية استمرت لاكثر من اربعة عقود ونيف.
يعتبر السيد هنريك فيروويرد، وزير شؤن السكان الاصليين ثم رئيس الوزراء لاحقا المهندس الرئيس لسياسة الفصل العنصري، ولذلك لم يكن مستغربا ان اغتاله ديمترى سافنداس – من اصول يونانية وعمل كساعي بريد مؤقت في البرلمان وكان يساري التوجه – في سبتمبر ١٩٦٦ داخل البرلمان، جازما انه لايمكن وضع حد لسياسة الفصل العنصري الا بالتخلص من مهندسها الاول الذى كان رئيسا للوزراء وقتها. اللافت ان ديمترى عاش حتى عام ١٩٩٩ليشهد نهاية سياسة الفصل العنصري بعد ان قررت المحكمة انه مختل عقليا.
ما قصدناه بهذه الاشارة العابرة لسياسة الفصل العنصري في جنوب افريقيا هو ان النخبة السياسية هي التى تدخل بلادها في متاهات من غير ان تحسب عواقبها ثم يصعب الخروج منها. وقد كلفت سياسة الفصل العنصري السياسة جنوب افريقيا رهقا في الداخل ودمرت سمعتها عالميا وخضعت لمقاطعة شاملة تقريبا من جميع دول العالم ما عدا بريطانيا – تحت تاتشر- ومزقت نسيجها الاجتماعى ولا تزال جنوب افريقيا بعد مضي اكثر من ثلاثة عقود على نهايتها تتعافي من تبعاتها الاجتماعية والسياسية.
اليوم نرى في بلادنا مجموعة لاوزن لها وغير منتخبة نصبت من نفسها وصية على الشعب السودانى تحدد له ماذا يفعل وكيف يفعل وفوق ذلك هي التى تحدد السياسات وهيكلة الدولة وتختار ما يروق لها، من يشارك ومن لا يشارك في السلطة ومن يعاقب ومن لا يعاقب وهى التى تضع المعايير والضوابط منفردة، كل ذلك بدون تفويض شعبي او انتخابي..! هل هنالك جرأة وافتراء واستهبال على حقوق الشعب السودانى اكثر من هذا..!
دون شك، ستدخل هذه العقليات الاقصائية والوصائية بلادنا في صراع لن يبق ولن يذر.
اخطر ما تفكر فيه هذه المجموعة هو ان على القوى السياسية والمواطنين السمع والطاعة فقط لما تقول وما تأمر او توجه به، فهؤلاء يرون انهم وحدهم الثوريين الانقياء اما بقية القوى السياسية من وجهة نظرهم فهى اما انقلابية او فلول او قرود موز الخ.. من سقط الاوصاف التى يطلقونها على خصومهم السياسين.
بهذا الاعتقاد الزائف يعتقدون ان من حقهم وراثة ثورة الشعب والتحدث باسمها ومن ثم اصدار التوجيهات للاخرين حسب ما يروق لهم، رغم ان الجميع يعلم انهم سرقوا تضحيات الشباب فى وضح النهار ثم (هبوا) و تهافتوا ليحدثوا العالم انهم وحدهم قادة الثورة ومخططيها ومنفذيها وان الشعب طوع بنانهم .
ان اوجب واجبات المكون العسكرى حاليا هى حماية البلاد من الدخول في ابارتايد سياسي يفاقم من الصراع الحالى ويمزق نسيجها الاجتماعي المنهك والمتآكل.
ان ارتهان امر ومصير البلاد لاقلية لا وزن لها في المجتمع تريد فرض وصايتها على القوى السياسية والمواطنين يمثل منزلقا سياسيا خطرا سيدخل البلاد في جحر ضب خرب سيصعب الخروج منه.
ان الموقف الصحيح الذى يتوجب على المكون العسكرى اتخاذه هو الوقوف على مسافة واحدة من القوى السياسية والتمسك بموقفه الاساسي المتمثل في دعوته لتوافق القوى السياسية على كيفية ادارة الفترة الانتقالية والنأى عن اى اتفاقات ثنائية ومحاولة فرضها بالقوة على القوى السياسية الاخرى… هذا فى رايى هو المخرج الوحيد للبلاد حتى بلوغ الانتخابات، في غير ذلك فعلي بلادنا وشعبها السلام.