إستلهام التأريخ يغلِّب مشهدية التعاضد : القبول المتبادل طريق التوافق الوطني
العميد الطاهر ابو هاجة
من يتحفظون على تحقيق التوافق الوطني السياسي يذهبون إلى أنه من المستحيل أن يحدث توافق بنسبة مائة بالمائة ، وهو أمر صعب رغم أنه ليس مستحيل . لكن هؤلاء يسقطون صفحات مشرقة ومحطات ومواقف مشرفة شهدها التاريخ السوداني ، في زمان لم تكن فيه وساطات ، ولا مؤسسات دولية خارجية ، وليس بعيداً أن يعيد التاريخ نفسه إذا تصافت القلوب ونزع ما فيها من غل .
الغني عن القول انه من غير الممكن أن يطالب أي كيان نظيره بمغادرة السودان كونه رجيم . وطبعي أن المشروعات الوطنية الضخمة التي تغير سير الصراع وحركة التاريخ بحاجة لصدق العزم والقبول المتبادل ، والرضا الحقيقي ، استلهاماً لل ( البشيل فوق الدبر ما بميل )
وبالعودة للمواقف التاريخية نذكر أنه لأول للمرة الأولى بعد عهد ممالك النوبة يتوحد السودان في دولة واحدة أي الدولة السودانية التي شملت مساحة شاسعة في ظروف جديدة . وهذه المنطقة شملت قيام الحلف الفونجي العبدلابي في إطار وحدة سودانية ، في ظل العديد من العوامل التي أدت لقيام الحلف الفونجي العبدلابي ممثلة في الجوانب الإقتصادية والأمنية والدينية والسياسية والثقافية والإجتماعية . ولقد حقق الحلف وحدة عظيمة في تاريخ السودان بين الفونج والعبدلاب بقيادة كل من عمارة دنقس وعبد الله جماع ، في تلك الدولة التي نشأت على قرار مملكتي المقرة وعلوة في الفترة من 1504-1821.
كذلك يذكر التاريخ أن تحرير الخرطوم في 26 يناير 1885 شهد الوحدة السودانية في أوجها . ولقد شارك السودانيون بكل قبائلهم وطوائفهم وعشائرهم وكياناتهم الإجتماعية ، في أكبر حدث عظيم في القرن الماضي بتحرير مدينة الخرطوم، ومن نافلة القول أن المهدية كفكرة استطاعت أن تحدث حراكاً سياسياً وإجتماعياً وثقافياً عظيماً ، ووحدت كل السودانيين تحت راية واحدة .
ومن المواقف أيضاً والمحطات وينهض يوم الإثنين 19 ديسمبر 1955 كمحطة خالدة ، يوم أن تقدم عبد الرحمن محمد إبراهيم دبك نائب دائرة بقارة نيالا بخطاب للحاكم العام ، وتحدث فيه نيابة عن أعضاء مجلس النواب بالبرلمان، معلناً بإسم شعب السودان أن السودان أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة .. لقد تقدم الرجل بالطلب العظيم ،في تلك اللحظة التاريخية الفارقة بعد أن اجتمعت كلمة الشعب السوداني المجيد على الاستقلال الكامل والسيادة للسودان ممثلاً في إلتقاء السيدين الجليلين وتأييدهما.
تلك أيضاً كانت محطة مهمة اجتمع فيها السودانيون عندما أعلنوا الاستقلال من داخل البرلمان . وهنا لابد من الإشارة إلى الثورات العظيمة، ثورة أكتوبر و ثورة رجب أبريل المباركة وثورة ديسمبر المجيدة.
كل هذه محطات والمواقف تشير إلى أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه، فالإنسان هو ذات الإنسان ، والشخصية السودانية هي ذات الشخصية ، ومن هنا ليس ببعيد أن تشهد البلاد ذات التعاضد .
الحق أن حكومة التكنقراط والكفاءات لايمكن أن تقوم على جرف هار وأرضية هشة بلا إتفاق ولا وفاق ، لكن الخيار الأفضل أن تقوم على أرضية صلبة وتعاون على البر والتقوى وضمير حيي يستشعر الخطر .
إن التنازع الذي ينشب بين المكونات من الأفضل أن يوجه للوحدة والإتفاق ، ولابد من الاصطفاف الوطني حول واقع جديد، واقع يحول الأزمة الحالية إلى إنفراج واستقرار وسلام وأمن، وأن التعويل كله على الخيار الوطني والحل السوداني السوداني.