إنقشعت الحقبة “الحمدوكية” وتحرك البرهان :
من أبوظبي وحتى كمبالا ؛ السودان يستعيد احترامه
كلمة المسار
في أعقاب زيارةٍ لدولة الإمارات العربية المتحدة ، حل الرئيس البرهان ضيفاً على الرئيس اليوغندي يوري موسفيني بالعاصمة كمبالا ، ثم استقبله رئيس جنوب السودان سلفاكير بالعاصمة جوبا وهو حراك تكمن رمزيته في ضرورة التواصل والتفاهم بين السودان ومحيطيه العربي والأفريقي .
البرهان استهل تلك الزيارة عقب الاستقرار السياسي النسبي و تماسك الدولة فيما بعد قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر التصحيحية .. وعلى الأقل فقد أصبح للسودان رئيساً يتخذ القرار ويتحمل مسئوليته . وخلال ثلاث سنواتٍ من حالة اللادولة اعتاد الناس في الداخل والخارج أن ينظروا لعدد من الفاعلين يقدم أيهم نفسه على أنه المسئول الأول الذي لا يأتيه الباطل ولا يراجع ، ومن بين هؤلاء ناشطين يفع لا يعدو العمل العام عندهم حلقات النقاش في سرادق العزاء . وأبلغ أمثلة ذلك محمد الفكي ، ووجدي صالح ، ومناع ، بل وكل من له علاقة بلجنة التمكين ، والتعايشي ، وبعض قادة الأحزاب من كانوا يتصرفون بفرضية أن الثورة أحد أملاكهم والبلاد بأكملها ملكاً لهم .
إذن فمن الطبيعي أن يحجم الجوار الإقليمي عن التعامل مع البلاد . وبالنسبة للغرب الذي راهنت عليه الحقبة الحمدوكية من رعايا السفارات الأجنبية في البلاد فشأنه أي شأن مع قصر نظر الأولاد النشطاء . الغرب الذي خاض حرباً ضروساً ضد بعثي العراق وسوريا وأعدم رئيس الأولى ، وطبق سابقاً حصاراً خانقاً ضد جمال عبد الناصر ، وظل يحمل للشيوعية أقصى طاقة البغض من غير الممكن أن يقبل بصدامٍ أو ناصرٍ ، أو تروتسكي جديد في السودان وإن تمسحت شيوعية السودان بأحذيته . وما قيل هنا عن الغرب يصدق بالنسبة لدول الخليج التي عانت الأمرين من بعث العراق وبعث سوريا ، أما موقفها من الشيوعية فهو متأصل منذ أمد ، وأصبح بغض الشيوعية مكوناً استراتيجياً في الفكر الخليجي .
عند هذا الحد يستحيل استدامة شراكة بين السودان ومحيطيه في حالة اللادولة من ناحية ، ومن ناحية أخرى في ظل الحمولات الآيديولوجية المشتطة .
في أبوظبي اجتمع الرئيس بولي عهد الإمارات وقد استعادت الدولة السودانية العافية من “عذابات المحبين الجدد” . في غضون ذلك لم تغب ذاكرة الأيام الخوالي عن ذاكرة ابن زايد وضيفه .. الشيخ زايد وأواصر وده العميق مع السودان .. جلوسه مراراً مع الرئيس الراحل نميري وتناولهما لوجبات الطعام عفو الخاطر الزيارات المتبادلة والفهم المشترك لقضايا العالم والإقليم .
وفي كمبالا جلس البرهان ليوري موسفيني واحدٍ من قادة أفريقيا عركته التجارب ، وظل ذات الفتى العصي على الغرب ، المتمرد على وصفاته . ويوغندا الجار قبل انفصال الجنوب تحتفظ بتفهم جيد للحالة السودانية ، وليس من فراغٍ أن يشيد موسفيني بنظيره البرهان وهي إشادة ليست من نافلة أدب الضيافة ، أو نشاط العلاقات العامة العارض ، بل أنها تحمل دلالات ناضجة .
وفيما يتواصل حراك البرهان عبر رحلة مزمعة للعربية السعودية ، ثم إحساسٌ موضوعي أن البلاد ليست هي التي كانت خلال سنوات الغيبوبة تتقاذفها مراهقات الصغار بحيث يفتي الأغرار في كل أمر ؛ بل أن ثم من يجلس خلف عجلة القيادة وبيده صولجان الفعل في سودان يلم شتاته ويسعى حثيثاً لتجاوز الأزمات عبر أهلية تمنح للعوالم من حولنا بشارات استعادة الدولة لذاتها .