الأزمة السودانية والسقوط الحر
دكتور / الصافي محمد طاهر جيلاني
إن ما يحدث في السودان يشكل إمتداداً لما جري في مجموعة من النظم الثورية التي تكسرت شعاراتها تحت صخرة الواقع. نجد أن السودان يتهاوي بين الحروب في اطرافه و الانهيار الكلي للاقتصاد و الصراعات القبلية و التنافس الجهوي و الحزبي علي السلطة، مما أدى الي إنهيار نظم الفترة الانتقالية تباعًا رغم تشكل تعاطف داخلي و دولي مع الثورة السودانية . لم تطبق شعارات الثورة السودانية علي ارض الواقع لان ذلك الامر يتعلق بانظمة سياسية فاسدة و تنفيذية هشة انشغلت لثلاث سنوات عن قضايا مهمة مثل الأمن و معاش الناس و التعليم و الصحة . فتحت الأزمة السياسية و الاقتصادية الحادة في السودان الباب أمام تدخل القوي الدولية و محاولة التأثير علي السودان بما يخدم مصالح تلك الدول ويمكن تلخيصه في ثلاث نقاط اساسية :- ١/ التصعيد الامريكي لاستعادة النفوذ : تنظر الولايات المتحدة الي منطقة الشرق الاوسط كمنطقة نفوذ امريكي ، وسعت علي مدار عقود للهيمنة علي السودان الذي اتبع سياسات معادية للولايات المتحدة الامريكية تحت حكم الرئيس المخلوع عمر البشير الذي تبنى نظام و شعارات اسلامية خلقت له شعبية كبيرة داخليًا وهو ما زاد الأمر سوءًا لأمريكا خاصة ان المعسكر الاسلامي في المنطقة ( تركيا-ايران -قطر-السودان) مدعوم من روسيا و الصين .اخذت النظم الاسلامية في التوسع خلال تلك الفترة مع وصول حكومات اسلامية في المنطقه ( مصر – تونس ). علي ضوء ما سبق جعلت الولايات المتحدة من اولوياتها ضمان حكومات موالية لها في المنطقة كما حدث في مصر و ما يحدث في تونس . و مثلت الأزمة التي يمر بها السودان فرصة جيدة تسعي الولايات المتحدة الامريكية لإقتناصها. ٢/ الضغط الاوروبي المفتعل : اتخذ الاتحاد الاوروبي موقفًا حاول فيه ان يبدو مدافعًا عن الدستورية و التحول الديمقراطي و اعلن تعليق المساعدات مما تسبب في تصعيد الأزمة. وفي ظل ذلك دعت ق-ح-ت و لجان المقاومة لمظاهرات كثيفة للتأثير علي القوات المسلحة للتخلي عن المكون العسكري و الانحياز لهم . ٣/ الدعم الروسي الصيني : في مقابل الضغط الأمريكي الأوروبي دعمت روسيا و الصين الإجراءات التي قام بها المكون العسكري في ٢٥ أكتوبر في المحافل الدولية خاصة مجلس الأمن . واعلنت روسيا عن تقديم مساعدات فضلًا عن تصدير القمح الروسي للسودان . ومن جهتها عبرت الصين عن دعمها للسودان و عمق العلاقات السودانية الصينية. يعتبر في مقابل تلك الثلاث نقاط موقف القوات المسلحة هو العامل الحاسم في سير الأزمة الحالية و يعد الكارت الرابح الذي يحاول المكون العسكري التمسك به و تحاول ق-ح-ت استمالته بشتي الطرق . ولا يزال الجيش السوداني داعمًا للمكون العسكري و يناوئ ق-ح-ت . و تشير بعض التقديرات الي صعوبة تخلي الجيش عن المكون العسكري و يرجع ذلك الي الإشارات المتناقضة التي ترسلها ق-ح-ت اثناء محاولاتهم إستمالة الجيش . فبينما ينادون شرفاء الجيش حسب تعبيرهم ، و أن الجيش جيش السودان فإنه في مواقف اخري يطالبوا بإتخاذ إجراءات دولية لمعاقبة الذين تسببوا في قتل المتظاهرين و مطالبتهم بإعادة هيكلة القوات النظامية ما يعده الجيش انها دعوة لتفكيك الجيش السوداني . تدور إحتمالات تطور الأزمة بين خمس سيناريوهات بالترتيب علي النحو الآتي ؛- ١/ بقاء الوضع الحالي و نجاح المكون العسكري في قيادة الفترة الانتقالية بالاعتماد علي مؤيديه من ق-ح-ت و اطراف السلام و القوي المجتمعية من ادارات اهلية و طرق صوفية ٢/ نجاح محاولات التفاوض و الوصول لتسوية بين كل الأطراف . ٣/ قيام إنتخابات مبكرة نتيجة إنسداد الأفق السياسي و تفاقم الأزمة حال فشل الاحتمالين الاول و الثاني . ٤/ أن يقوم الجيش بالسيطرة علي زمام الأمور و تنحية كل الأطراف بما فيها المكون العسكري و سوف يكون ذلك النظام اقرب للأسلاميين . ٥/ إنحياز الجيش للمتظاهرين وهو الإحتمال الأضعف .