الشك يورث الخطأ..تنمية بشرية
أمل الكردفاني
سأتحول اليوم إلى مدرب تنمية بشرية، لأتحدث عن فكرة الشك المورث للخطأ والحظ السيئ.
الشك هو عدم القدرة على الحكم على شيء ما أو حالة ما، في القانون يكون الشك مهماً ولذا فله درجات، هناك شك معقول، يفضي على الفور بتفسيره لصالح المتهم ومن ثم الحكم ببراءته. غير أن هناك ايضا الشبهة، وهي شك راجح في اقتراف الشخص للجريمة، وهذا الشك يسمح للمحقق باتخاذ اجراءات أولية ضد المشتبه به. فإذا تحقق المحقق من شكوكه، وتأكد من اقتراف الشخص للجريمة، تحول الشخص من مشتبه به إلى متهم، فيحال إلى المحكمة.
وكذلك الشك في مسائل الدين كالوضوء وعدد الركعات…يقطع الشك فيها باليقين، فلا يلتفت إلى الشك.
غير أن هناك شك مؤذٍ لصاحبه، مثل شكوك الزوجية، وشكوك الشركاء، والتي تسمى وساوس، وقد تبلغ حد المرض فتصنف كبرنويا، أو شعور بالمؤامرة.
ولكن اقل من هذا كله هو الشك الحياتي، الشك التفاعلي، أو التنبؤات السلبية. عندما تتجه لسوبر ماركت وأنت تشك في ما لو كان مفتوحاً أم مغلقاً، فغالباً ستجده مغلقاً. وإن كنت تشك في أنك ستجري انترفيو سيئ، فبالفعل سيكون سيئاً. وإن كنت تشك في أنك ستحصل على الوظيفة، فبالفعل لن تحصل عليها، وإن كنت تشك في أن مستقبلك لن يكون أفضل من حاضرك فبالفعل لن يكون كذلك. وهنا يقترب الشك من التشاؤم اثناء حركتك اليومية وتفاعلك مع الآخرين. وسينعكس الشك على كل شيء من حولك. إنني لا أقول بأن على المرء أن يتوقف عن الشك، ولكنني أقول بأن عليه أن يتوقف عن الحكم عبر النبوءات السلبية. وهناك فرق بين التوقع والتنبوء، فالتوقع يستند على وقائع ترجح حكماً على حكم، أما التنبوء، فهو حالة نفسية تتوجه نحو حالة أو واقعة فتحكم عليها سلباً أو إيجاباً، بدون الاستناد إلى معايير منطقية. فالشخص الذي يريد الذهاب للسوبرماركت يوم الجمعة ويتوقع أن لا يكون مفتوحا، إنما يستند على وقائع عامة منطقية. أما من يتوقع ذلك يوم الثلاثاء فهو يتنبأ تنبوءً سلبياً. وفي كلتا الحالتين فالشك قائم، غير أن الشك الناتج عن توقعات لا يسبب صدمات نفسية للمرء، خلافاً للشك التنبوئي، الذي يدخل الشخص في حالة شعور دائم بسوء الحظ.
كذلك قد يبدو الشك تنبوئياً، ولكنه في الحقيقة توقعي؛ غير أن الحقائق مختفية في العقل الباطن. فالشخص الذي يعظم ما ينتجه ويمنحه قيمة اكبر من حقيقته سيظل متشائماً طيلة الوقت بسبب الفشل المستمر. في الواقع فشله ناتج عن حقائق، وليس لسوء الحظ، والحقيقة الجوهرية هي أن عمله هذا لا يرقى للمستوى المطلوب.
أعرف أشخاصاً يعتقدون أنهم أمهر لاعبي كرة القدم، ولا أعتقد ان شخصاً لا يعتقد ذلك يمكنه أن يدخل إلى المستطيل الأخضر. وهناك من يعتقدون أنهم سياسيون بارعون، او رسامون يضاهون دافنشي…الخ..لذاك يكون الفشل حليفهم. فالتقييم الحقيقي للمهارات هو ااذي يطورها، ويدفع بها إلى إكمال النواقص ومن ثم الإتقان، فالنجاح.
يكون شكنا في أغلبه تنبؤياً وغير مستند إلى المنطق. وقد عمق ذلك أن مجتمعاتنا مجتمعات بدائية، تميل إلى منح كل جملة عشرات المعاني، وكل تصرف له غايات أبعد مما هو منظور، لقد خلق ذلك حالة التشكك بين الجميع. في السودان، نادراً ما يقول شخص ما (لم أفهم)، لأنه يعتقد أن ذلك اننقاص من قدراته العقلية. ومن ثم فنادراً من يسأل: ماذا يعني ذلك؟. هذا السؤال البسيط يقلل من حالات الشك في العلاقات الإنسانية. لأنه يبعد الوسواس، فتستقر العلاقات على الوضوح. لكن المجتمع يدفعك دفعاً نحو الكذب، ونحو استخدام جمل ممجوجة، وعشرات المعاني في مبنى لفظي واحد. وهذا دليل على أنه مجتمع خائف باستمرار.
سنلاحظ أن المجموعات المضطهدة، تميل إلى اللف والدوران والحذلقة، حتى النساء المضطهدات يملن إلى الكذب كثيراً حتى يتحول لعادة يومية. إن الشخص المضطهد، غالباً ما يحتمل في داخله روح التحذلق والتذاكي، ليواجه به من يضطهده. وقد يدفع به ذلك نحو الجريمة، وخاصة الرشوة الوظيفية. لأن التحايل على الآخرين يستغرق القيم الأخلاقية. فلا بد من دراسة لسيكولوجية المضطهدين. لقد انزلت من الانترنت كتاب الإنسان المقهور لمصطفى حجازي ولم أقرأه حتى الآن متمنياً أن أجد الدافع لذلك عبر هذا المقال.
إن المجموعات المضطهدة، تميل دوماً إلى الشك، ويننقل ذلك المرض إلى ما حولها، ليصل إلى المجتمعات غير المضطهدة. فالشك مثل الوباء، سريع الإنتشار. وإن لم ينتشر فناره تحت رماده.
غير أننا لا نستطيع أن نطلب من الناس التوقف عن هذا النوع من الشك، عندما يكون المناخ الإنساني بأكمله ملوثاً. وحينما لا يكون هناك نظام اجتماعي أقل فوضوية مما هو حاصل الآن. رغم أن تجنب الشك، سيحدث أثراً طيباً في العلاقات الإجتماعية، وأيضا على المستوى الفردي..لأن الشك ظلام مؤلم.
٤ مايو ٢٠٢١