أبرز الأخبار
القدح الإستراتيجي مطلوبٌ لإبطال مفعول الكوابح
أمريكا ليست محل التعويل التنموي بل هي نقيض ذلك
- بعد نجاح ثورة ابريل 1985 التي أطاحت بالرئيس الراحل نميري ، توقع السودانيون تطور علاقات بلادهم مع أمريكا ، لكن كان عليهم أن “يطولوا بالهم ” لحين انتخابات العام 86 التي حملت الراحل الامام الصادق المهدي لرئاسة الوزارة .
- بعد مرور عام كامل لم يطرأ تغيير يذكر على العلاقات ، ولقد صرح الإمام الراحل عدة مرات أن العلاقات مع أمريكا ليست مثالية .
- في اعقاب توقيع اتفاق سلام نيفاشا لامس السودان ذات التوهم ، بيد أنه كان عليهم المزيد من الصبر لحين استفتاء الجنوب ، ولم يتبع الانفصال الذي انحازت له أمريكا أي جديد .
- عقب نجاح التغيير خواتيم العام 2019 سارت ركبان قيادته بقرب علاقة السمن والعسل بين أمريكا وورثة نظام المؤتمر الوطني من النشطاء القادمين من الغرب يحملون أفكاره ويبصمون على وصفاته ، لكن الإيفوريا خمدت شيئاً فشيئاً ، ولم تتجاوز العلاقات الصيغ الباردة نحو الدافئة رغم البيانات التي يعبر ظاهرها عن الاهتمام بالسودان .
- ثم توالت ذات صيغ الشد والجذب دون منجز محسوس ، فلا العلاقات مضت نحو التطبيع والتطور المنشود ، ولا هي ماتت ليقلب أهل السودان صفحتها .
- في غضون كل ذلك ثبت أن ما يهم امريكا في السودان بعد مراوحة العقود الأربعة يتلخص فيما يلي :
أولاً : تكتيكياً : - أن ينحاز السودان للترتيبات الجارية بشأن الشرق الأوسط الكبير الذي يحقق الحياة الطبيعية الآمنة لإسرائيل مع جيرانها .
- أن يسهم السودان في وقف الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا .
ثانياً :
استراتيجياً : - أن تنأى السياسة العامة عن الاسلاميين والظاهرة الاسلامية بحيث يستبعد ما أطلق عليه الاسلام السياسي من الحياة العامة نهائياً . وأن ينضم السودان لمعسكر المحاربين للظاهرة بغية اجتثاثها نهائياً .
- أن يواصل السودان قطع أي علاقة له بإيران وكوريا الشمالية .
- أن لا تتطور علاقات السودان بقطبي المعسكر الشرقي الصين وروسيا أكثر مما هي عليه الآن بحيث تمضي نحو اتفاقيات أمنية دفاعية أو اقتصادية أو سياسية تخل بالهيمنة الغربية على القارة السمراء .
- وعلى مر العقود الأربعة المنصرمة ، وفيما عدا دخول شركة شيفرون لفترة وجيزة خلال الفترة الأخيرة من حكم مايو ، لم تنم اتصالات امريكا بالسودان عن أية توجهات تنموية أو استثمارية داخل البلاد ، بل أن العمود الفقري لكل اتصالاتها وبياناتها وزايارات مبعوثيها ورجال الكونغرس ظل هو المتعلق بمسائل نظرية شاملة حقوق الانسان وحقوق الأقليات ودعاوي السلام وتصدير مختلف وصفات المؤسسات الدولية من شاكلة الأمم المتحدة ومؤسستيها الماليتين ، جنباً الى جنب مع المحتوى الثقافي الامريكي المصاحب ، وهي وصفات تندرج تحت ما ظل هنري كيسنجر يشير لها على أنها ؛ A take-it-or leave-it prescriptions
- ولن يغالط أحد بأن كل الرحلات الماكوكية لرجال الكونغرس وغيرهم ممن ترددت مجموعاتهم على السودان لم يصطحبوا معهم وفداً تنموياً أو اقتصادياً من المستثمرين أو رجال الأعمال للتعبير حتى عن مجرد النوايا بأن تنمية البلاد تمثل واحدة من همومهم لتطوير العلاقات.
- فيما عدا ذلك فقد استمر المظهر الاقتصادي طوال العقود الأربعة هو الترهيب ممثلاً في التهديد الدائم أو العقوبات عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لكبح حراك الاقتصاد السوداني .
- وفي راهن الحال ما تزال المراوحة تأخذ ذات الطابع بدءاً بفتور تعامل الصناديق العالمية ، أو فرضها للمزيد من العقوبات عند أي سانحةٍ تتيح ذلك .
- لكن الدارس للحالة الأمريكية يعلم أنها تتحرك عالمياً وفق ذات البوصلة .
- ورغم أن انفصال جنوب السودان عن شماله كان حتماً لا راد له ، إلا أنه صادف الهوى الأمريكي بحيث عملت الإدارات المتعاقبة على تسريعه . وبعد أن تحقق لها ما أرادت نأت أمريكا بنفسها عن كل ما من شأنه تحقيق تنمية الجنوب لضمان رفاه انسانه . ولم يسمع العالم عن أي مشروع رائد تبنته داخل الجنوب طوال عقد من الزمان أي منذ انفصاله .
- وبرغم سوية العلاقة بين أثيوبيا وأرتيريا من جانب وبين القوة العظمى من جانب آخر ، إلا أن أمريكا لم تكن ضالعة فيما من شأنه تنمية أي من البلدين ، بل أن الصين ودول أخرى هي من تسهم في تمويل مشروع سد النهضة ، جنباً إلى جنب مع مصادر التمويل الوطنية .
- مثلت الحرب الروسية الاوكرانية عبئاً هائلاً على الاقتصاديات الغربية عامة ، وعلى الأمريكي على وجه الخصوص . ويكفي أن الدعم الأمريكي بشقيه العسكري والانساني لأوكرانيا قد بلغ حوالي 64 مليار دولار ، وهو رقم يثير المزيد من الجدل بالداخل الأمريكي ، ولقد كان من تأثيراته أن رفع التضخم لمستوى غير مسبوق منذ أربعين عاماً .
- بلغت الديون الأمريكية بشقيها الوطني الداخلي والخارجي ما يتجاوز 30 ترليون دولار .
عندئذٍ ينهض السؤال تجاه اللهاث وتقطع الأنفاس نحو تطبيع العلاقات السودانية الأمريكية ، وماهي الجدوى والمردود المنتظر منه . - من خلال كل ذلك يتضح أن أمريكا ليست محل الشريك التنموي الاقتصادي ، بل أنها تملك حزمة من الأدوات والوسائل لكبح التطور الموضوعي في السودان .
- عندئذٍ فإن العقول والبيوت الاستراتيجية هي القادرة على بسط الخيارات الأمثل لإبطال مفعول وسائل أمريكا التي تستخدمها لكبح التطور ومن ثم تطويل معاناة السودانيين وإبقائهم تحت خط الفقر ، واستهلاك جهد حكوماتهم المتتابعة في مراوحات تحسين العلاقات مع أمريكا .