من الهوجة الثورية وحتى مكر السياسيين :
شركات الجيش ليست خروجاً على مألوف العالم
لم تعرف الإفلاس أو العجز عن الوفاء بالتزاماتها ، أو الفساد الموثق
مرةً أخرى تعاود البعض الشنشنة والطنطنة تجاه شركات القوات المسلحة ، وتتجدد ذات السياقات الفطيرة تجاه بيع أو خصخصة شركات القوات المسلحة ، وهو ضرب من التفكير الفطير يذكر بهوجة المصادرات التي تبناها اليسار بشقيه الشيوعي والعروبي العام 1970 ، والتي حلت وبالاً على الاقتصاد الوطني بحيث مسحت تلك الشركات المصادرة والمؤممة من خارطة الاقتصاد الوطني .
المنادون بتبعية تلك الشركات للشق المدني أو الخصخصة يجهلون أن الجيوش في أعتى الديقراطيات تدير شركات تراوح بين الصناعات الاستراتيجية وحتى البضائع الاستهلاكية
نذكر فقط بأن استثمارات الجيش الأمريكي فى مجال الإنشاءات خلال 7 سنوات قد بلغت 44 مليار دولار ، وقارن ذلك بما تخفيه أضابير البنتاجون ، والسي آي إيه ، والإف بي آي .
وفي الجيش الباكستاني تعمل مؤسسة فوجي (FF) وهي واحدة من أكبر التكتلات في باكستان وفق موقعهم في كل أنواع التجارة والصناعة من الأسمدة الى الأسمنت والأغذية وتوليد الطاقة واستكشاف الغاز وتسويق وتوزيع الغاز المسال والمحطات البحرية والخدمات المالية وخدمات التوظيف وخدمات الأمن.
وفي نظيره الجيش الهندي فإن متاجر كانتين( Canteen Stores Department ) واختصارها CDS) ) ، والمملوكة للجيش الهندي ، فهي تعتبر متاجر التجزئة الأكبر والأكثر ربحية طوال أكثر من سبعين عاماً ، وقد توسعت رأسياً وأفقياً استجابة لاحتياجات الجيش والبحرية والقوات الجوية ، لتلبية التطلعات المتزايدة للقوات والجنود المعاشيين وعائلاتهم . وتتاجر الكتلة في كل شئ من المواد الغذائية الى السيارات .
وفي تركيا ومنذ العام 1961 أسس الجيش التركى مجموعته الاقتصادية “أوياك” ( OYAK )، وتأسست المجموعة فى البداية من اقتطاع نسبة 10% من رواتب الضباط العاملين فى الجيش، ويعمل فيها حوالى 29 ألف شخص، وبلغ حجم أصولها حوالى 28.3 مليار ليرة تركية، أى حوالى 10 مليار دولار تقريبًا، الأمر الذى يؤهلها لتكون واحدة من أكبر المجموعات الاقصادية فى البلاد، وتمتلك مجموعة من الشركات المعروفة على مستوى البلاد، مثل توكيل شركة “رينو” الفرنسية لصناعة السيارات، كما تملك شركة لتصنيع الحديد تحت اسم ERDEMIR، كما تمتلك بنكًا تحت اسم “بنك أوياك” لكنه بيع لاحقا، وكذلك يمتلك الجيش التركي أسهماً في ستين شركة تمارس طيفاً واسعاً من الأعمال من الحلويات وحتى السيارات .
ونعود للحالة السودانية ، وكم هو غريب على التائهين بين لينين والبروسترويكا ، والعروبية المتماهية تارة مع اليسار وأخرى مع الرأسمالية العالمية ، غريب أن يتبنوا التأميم بالأمس ، ثم يعودوا اليوم لينكروا على القوات النظامية شركات خاصة بها . ويسقط هؤلاء سهواً أن كل المؤسسات التابعة للقوات النظامية ناجحة رابحة وأن غالب المؤسسات التي صادروها وأمموها العام 1970 تسربت كالعطر الرخيص من بين الأصابع .
وللحقيقة نقول أن ما عصم استثمارات القوات النظامية من زلق ما تسنمها الطرف المدني هو صرامة ونجاعة القوانين العسكرية ، ومن ثم لجمها لأي تفلت داخل صفوفها ..
وكم هو طفولي ومضحك أن يتناسى المنادون بتحجيم الأنشطة الإقتصادية للقوات النظامية أن ما ذكرنا من نماذج عالمية تمثل ديمقراطيات غير مقدوحٍ فيها من أمريكا مروراً بالشرق الأوسط وحتى القارة الأسيوية ! .. ونسألهم إن كانوا قد سمعوا هتافاً فطيراً ضد تلك المؤسسات ، وفي مصر الجارة فقد عصمت قوامة الجيش على حاجات الناس من أن يبلغ الشعب المصري ما بلغناه من سوء الحال .
بقي أن نقرر أن على شرازم الهرجين المنتفخ أوداجهم ، والمتعالمين دون تراكم يذكر ، أن يدركوا أن قضايا الأمن القومي لن تصبح مجرد هتاف نخبوي تناثره الرياح وهناً على وهن .. بل أنها ثوابت وعليهم التفريق بين الثابت والمتغير .