تحليل أحداث لقاوة : الرابط العجيب بين لقاوة وودالماحي
ماذا بين جنوب كردفان والنيل الأزرق
عميد/ ابراهيم عقيل مادبو
1/هناك رابط خفي بين أحداث لقاوة بجنوب كردفان، ومنطقة ودالماحي بمحلية الروصيرص بالنيل الأزرق، فكل المؤشرات وقرائن الأحوال تدل على أن ما يحدث بهاتين المنطقتين، وإن كان يأخذ ظاهراً شكل التدافع القبلي ولكنه باطناً يقع ضمن مخطط كبير موضوع ومعد منذ فترة طويلة، ويهدف لجر إحدى المنطقتين لكي تتفجَّر بها الأوضاع، ومن ثم الدخول في أتون حرب ومواجهات تستدعى تدخل الجيش حتى يصطدم بقوات الحركة الشعبية ومن ثم خروج الأمور عن السيطرة، وما يعقب ذلك من إندلاع الاقتتال القبلي، وأعمال الفوضى والتفلتات الأمنية واللصوصية والإجرام، وهو ذات الشئ الذي حدث بدارفور سابقاً، والغرض من ذلك هو تمهيد الطريق لإصدار قرار أممي بشأن إحدى المنطقتين يفرض إدخال قوات حفظ سلام أفريقية برعاية اممية على غرار بعثة اليوناميد بدارفور.
2/ في هذا المخطط والذي ترعاه أياد مخابراتية، تعمل الحركة الشعبية جناح الحلو بالمنطقتين كصاعق أو كبسولة التفجير، وهو الأداة التي تستخدم لقدح العبوة الناسفة والتي تتمثل هنا بإصدار قرار أممي بإدخال قوات أجنبية تحت دعاوى السلام والأمن في جنوب كردفان وحماية المدنيين في النـزاعات المسلحة وتقديم المساعدة الإنسانية، وتالياً حماية موظفي الأمم المتحدة، وستجد هذه الدعاوي أرضاً خصبة لإقناع المجتمع الدولي بضرورة التدخل الأممي في ظل الهجمات المتبادلة بين قوات الحلو بمساندة المليشيات القبلية التابعة له، وبين مليشيات المسيرية والدعم السريع الجارية الآن، وفي حال تدخل الجيش فإن رقعة الصراع ستزيد وتحتدم المعارك، مما يشكل الفرصة المناسبة لإصدار قرار التدخل الأممي تحت ذريعة حماية المدنيين وسنسمع ذات العبارات التي كانت دول الغرب ومنظماته تكررها حول دارفور مثل استهداف المدنيين والعنف الجنسي والجنساني الذي يستهدف النساء والفتيات ويهدد المدنيين، وبخاصة النساء والأطفال، إضافة إلى النزاعات بين القبائل على الأراضي وطرق الوصول إلى الموارد وقضايا النزوح والتنافس بين القبائل، ومشاركة وحدات شبه عسكرية وميليشيات قبلية، وتشريد أعداد كبيرة من المواطنين، والتهجير القسري، وستتم مطالبة الحكومة السودانية أن تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية المدنيين الموجودين داخل إقليمها والخاضعين لولايتها، بما في ذلك حمايتهم من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، والتشديد على وجوب محاسبة المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني وعن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، وأن ما يحدث بتلك المناطق يهدد السلام والأمن في جنوب كردفان ويعكَّر السلم الأقليمي والعالمي ويزعزع إستقرار منطقة القرن الأفريقي، ومن يتتبع نشرات الأخبار في غضون الأيام القادمة سيجد تكراراً مقصوداً لترسيخ هذا الفهم في أذهان السودانيين والتأثير على الرأي العام، وفي هذا السياق فقد أصدرت بعثة الأمم المتحدة اليونتامس يوم الاربعاء 19 أكتوبر نشرة إخبارية عن أعمالها في مجالات “حماية المدنيين” وستتكرر هذه العبارة كثيراً في وسائل الإعلام وتصبح سيدة الموقف.
3/ من الواضح أن الحلو ومن يقفون خلفه من الدول الغربية، يبحثون عن مواجهة مسلحة تؤدي الي عقد اتفاق ثاني خاص مع الحلو على غرار اتفاق جوبا ويسمح بشر قوات حفظ سلام في مناطق سيطرة الحركة الشعبية شمال، وهذا يؤكد ان الصراع القبلي هناك مفتعل لإشعال فتيل المواجهة المسلحة من أجل تحقيق الغرض والهدف الحقيقي لجماعة الحلو، ونفس هذا السيناريو سيتم تنفيذه في النيل الازرق وسيتم ادخال قوات حفظ سلام برعاية أممية بزعم حماية المدنيين وبذلك يكتمل الإطار العام للمخطط.
4/ يجب على الجيش أن ينتبه لذلك وأن يقوم بالسيطرة على الموقف منعاً للإنفلات، وأن تكون لديه خطة جيدة للدخول وتأمين مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق، وأن يتم حسم الفتن في المنطقتين فوراً، خاصة وأن اتفاق جوبا قد قلل من سيطرة الجيش في المنطقتين، ولكن هذا لا يمنع من التدخل وإعادة الأمور إلى نصابها، ودون ذلك ستأتي قوات حفظ سلام اجنبية برعاية اممية لتكون بديلاً للجيش هناك، وإذا قُدِّر لأي مُحلِّلٍ عسكري خبير أو سياسي حصيف أن يضع عنواناً في تعريف ما يحدث الان بجنوب كردفان والنيل الأزرق، فلن يجد عنواناً أبلغ تطابُقاً وأوقع تطبيقاً من عنوان “إقتراب نشر قوات بغطاء أممي”، فهذا العنوان هو ما تبحث عنه أمريكا ودول الغرب منذ أمد بعيد، ونعود بالذاكرة إلى العام 2003م فقد كانت هناك اجتماعات تمت بين الحركة الشعبية ونظام البشير في اوسلو وبعدها في لاهاي وبرعاية امريكا والنرويج، وترتب على ذلك دخول قوات الحركة الشعبية إلى النيل الازرق وجبال النوبة ضمن تفاهمات مفاوضات اوسلو وتم الاتفاق علي نقاط لم يتم تنفيذها ولكنها ظهرت من جديد في بعض بنود اتفاق جوبا وتم القبول بها ولكن تبقى بند واحد لم يُنفذ وهو نشر قوات حفظ الامن في المنطقتين، وهذا هو القادم إذا لم نتحسب له، ولذا علينا قدر الإمكان الخروج من نمطيَّة التحليلات التقليدية والنظرة الكلاسيكيَّة في تناول الأزمات التي تكتنف الوطن، وأن نفكر خارج الصندوق ونخرج إلى رحاب الواقعيَّة Pragmatism، لنستخلص زبدة التجارب، وأن نسلط الضوء على المناطق المعتمة في الذاكرة، لنستكشف المشاهد القادمة بغية استجلاء الغموض الذي يكتنفها، وبالتالي إنارة الدرب والطريق حتى نصل إلى حقيقة ما يحاك ضد السودان وأمنه وتماسكه واستقراره ووحدة جيشه.
5/ موضوع المنطقتين، وأبيي التي تتواجد بها الان قوة أممية (UNISFA)، له تداعيات خطيرة، خاصة وأن ملفي المنطقتين لهما علاقة مباشرة ببعض دول الجوار، فمنطقة جنوب كردفان بما فيها أبيي وتشابك ملفاتها مع دولة جنوب السودان وأطروحات الحركة الشعبية جناح الحلو حول مشروع السودان الجديد العلماني التوجه، ومنطقة النيل الأزرق والتي هي إمتداد طبيعي لمسرح سد النهضة في إطار حرب المياه القادمة وتشابك ملفاتها مع الجارة اثيوبيا، وتأثيرات السد على دولة اخرى هي مصر، وبكل المقاييس في حال حصول التدخل الأممي في المنطقتين، فهذا يعني ان الأمور ستبقى في يد أمريكا والغرب وبينهما إسرائيل، وهذا سيؤثر حتماً على مصر، وإذا ما إكتمل مخطط الحلو فستتواجد قوة اخرى تحت مسمى جديد بمنطقة جنوب كردفان وكذلك قوة أخرى بالنيل الأزرق، ويبدو أن فصل دارفور قد تم تأجيله إلى حين تجهيز المنطقتين، والتي هي الخطوة الثانية بعد فصل الجنوب بحسب بروتوكول برنارد لويس لتقسيم السودان.
6/ إن مسؤولية الإستقرار والأمن والتنمية تعد مسؤولية تشاركية من الجميع، ولكن يجب أولاً أن تقوم السلطات بفرض هيبة الدولة مهما كلف من ثمن، وأن يقوم الإعلام الوطني بدوره في رفع الوعي والدعوة على وجه الخصوص لمحاربة القبلية والتمييز ونبذ الإنتماءات الضيقة والتوجه نحو بناء مستقبل الوطن.
( ﺗٌﺂﮐْﻮٌﺭﻧِﻴَﻮٌﺯ )