خيارات العسكريين بعد 30 يونيو العميد ركن د. عبد الملك الرزم

بعد النتائج المتواضعة لحراك 30 يونيو والذي أجمع المراقبون على أنه أتى دون التوقعات ، بات واضحا أن الحرية والتغيير لديها هدف ستسعى لتحقيقه بكل السبل وبتقديم كافة التنازلات والرضاء بما سيعرض عليها ، وذلك بعد استنفاد كافة فرصها في التغيير الجذري الذي يستهدف إزاحة المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي  ، والمؤسسة العسكرية لديها أمانة ومسؤولية تاريخية أن لا تسلم السلطة إلا عبر إستحقاق سياسي وشعبي حقيقي وغير مصنوع ولا مرعي من جهات لا تريد الخير للسودان وشعبه  .
والمجلس المركزي الذي يمارس الضغط على المؤسسة العسكرية بإسم الشعب يريد أن يسخر الجيش لأجنداته السياسية حتى وإن كان ذلك بالإنقلاب على إرادة الأغلبية وتسليمهم السلطة يفعلون بها يشاؤون  ، لكن الجيش لن يتخلى عن دوره الوطني الرائد بإعتباره صوت من لا صوت لهم ولا أحزاب ولا تجمعات ولا سند دولي ولا منظمات  .
وسيقف الجيش ضد تسلط الأقلية حتى وإن كان صوتها هو الأعلى والأبرز  ، والتي وجدت فرصتها التاريخية في أن تحكم بتفويض مزيف ووثيقة ثنائية أذاقت السودانيين فيها الأمرين في المعاش والحياة وحرية التعبير فمارست استبدادا مدنيا لم يشهد له السودان مثيل تحت لافتة الشرعية الثورية ، والسودان لا يمكن ابتزاز شعبه بخروج أربعة شوارع في العاصمة ولن تختطف صوته أقلية مدعومة من الخارج .
لذلك انحازت قيادة الجيش للحوار الوطني الشامل الذي يمثل فيه كل السودانيين بكافة اطيافهم وتوجهاتهم ولن تستجيب لابتزاز الحرية والتغيير الذي يطالبها بتسليم السلطة التي هي أمانة في يد المؤسسة العسكرية إن فرطت فيها ستشهد البلاد جولات من الصراع حول السلطة ربما تصل للصراع المسلح والذي لا يمكن استبعاده في ظل وجود أطراف عديدة تحمل السلاح ، وأطراف عديدة أخرى لديها جماهير ومستعدة لفرض رؤيتها بنفس الطريقة التي فرضت بها قوى المجلس المركزي رؤيتها  .
ان الحالة التي تتلبس البلاد والتشاكس السياسي الحادث منذ 11 أبريل 2019 لا يمكن حله إلا بالإنتخابات والتي ستضع كل مكون سياسي في موضعه الحقيقي وسيعود الجيش لثكناته ذراعا قويا لحكومة مدنية منتخبة وذات شرعية دستورية وسند شعبي ترسي قواعد التداول السلمي للسلطة وتنهي أزمات البلاد المتطاولة بعقد سياسي واجتماعي يحفظ وينظم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين .
العميد ركن د. عبد الملك الرزم
الأكاديمية العليا للدراسات الأمنية والإستراتيجية
المرصد_السوداني