رثاء الدكتور غازي صلاح الدين للمرحومة فاطمة خالد حرم رئيس الجمهورية السابق
بسم الله الرحمن الرحيم
وداعًا سليلة أقوام يقدسون الحمد والستر
ما أن فرغ المأذون من إجراءات العقد في حوش بانقا بالقرب من شندي حتى أمسك حسن بكف شقيقه خالدا، وهزّا ذراعيهما معلنين إتمام عقد زواج عمر وفاطمة. إجراء بسيط في مظهره، عميق في دلالاته الشرعية والاجتماعية، وممارسة ظل يحافظ عليها أهل هذه البلدة بنفس الطريقة لمئات من السنين خلت.
فما من فضيلة يتمسك بها هؤلاء القوم أبلغ وقعاً عليهم وأشد أثرا على تماسكهم من فضيلتي الحمد والستر.
الحمد والرضا بالقليل، والستر من أن يقترف المرأ عملا يلحق به وبقومه العيب والانحطاط من مراتب الشرف.
بالنسبة للاثنين كان الدرس مفهوما، والتحدي واضحاً، وكانا بقدر المهمة. وعندما توجه الملازم عمر ليبدأ حياته المهنية كانت فاطمة راعية المنزل وحارس القيم فيه. استوت الأمور لديها عندما كان عمر ملازما وعندما أصبح رئيسا، وعندما تخلى عن الرئاسة. لم تستغل نفوذ زوجها، لم تغير طريقتها في مخاطبة الناس حولها، لم تترفع على العاملين لديها، لم ترفع صوتها بحضرة الرجال، لم تظلم أحدا ولم تفرح فرحا ينسيها وقارها، ولم تحزن حزنا يشقى به جليسها، لم تقبل الهدايا، وكانت نافرة من العمل العام، أفضل الأوقات لديها وقت تمضيه في مسقط رأسها تستعيد به ذكريات صباها، وتجتر صور الماضي الذي ولى إلى غير رجعة.
ولما اشتدت عليها العلة اختارت ان تموت في حوش بانقا بين أهلها وعشيرتها، وليس بعيداً من زوجها المعتقل في كوبر بغير إجراء قانوني.
بدأت حياتها الزوجية باسم فاطمة يوم صفق حسن وخالد كفيهما بعقد زواجها، وماتت وقد صار اسمها “أم الفقرا” كناية عن كرمها ودينها وتقواها.
رحمها الله وأحسن إليها إحسانا عظيما.
غازي صلاح الدين العتباني
الخرطوم
٧ يونيو ٢٠٢٢