رسالة في بريد الجميع
السيد رئيس وأعضاء مجلس السيادة.
السادة أعضاء المفوضية القومية للخدمة القضائية.
السادة قضاة السودان بكافة درجاتهم.
جماهير شعبنا الصابرة.
أبوبكر عبدالمجيد المغواري
نخاطبكم اليوم ودولة السودان تفقد البوصلة الكاملة! فما عاد الحق حقاً ولا الباطل باطلا، ويصعد صناديد القوم ويتبرعون بجهل ويفترون الكذب.
كما تعلمون فإن الثورة قد بدأت بوعي ومهنيين يقدسون العلم ويحترمون المهنة وينادون بالحرية والسلام والعدالة، فالتف حولها قطاعات الشعب بمختلف توجهاتهم.
غير إن أكبر جريمة ترتكب اليوم في حق الدولة هي تنازع السلطات والتغول علي الحقوق والتنادي بالفتنة، والفتنة أشد من القتل.
فقد أطل علينا الأسبوع الماضي مجموعة محدودة من القضاة عودونا بأن تشرئب أعناقهم لمثل هذه المواقف تحقيقاً لمنافع شخصية ضيقة أو درءاً لسوءة من سوءاتهم، وللأسف سار في ركابهم هذه المرة صاحب السعادة رئيس القضاء.
خرجوا علينا ببيان خالف كل الإرث القضائي منذ استقلال السودان بل خالف كل قواعد العمل القضائي السليم، حيث ضربوا بمبادئ بنجلور للسلوك القضائي عرض الحائط عندما خاضوا في مسألة هم الجهة الوحيدة المسؤولة عن حسمها عند إجراء المحاكمة لتحديد المدان والاقتصاص منه، فوجهوا الإتهام دون تحقيق مسبق من قبل النيابة المختصة بأخذ العلم بالجرائم وفقاً لنص المادة (٣٣) من قانون الاجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١م تعديل ٢٠٢٠م مقروءة مع المادة (١١) من قانون النيابة العامة لسنة ٢٠١٧م، بل أصدروا حكمهم القضائي دون إجراء تلك المحاكمة العادلة، مخالفين بذلك مهام السلطة القضائية المنصوص عليها في المادة(٣٠) من الوثيقة الدستورية لسنة ٢٠١٩م تعديل ٢٠٢٠م والتي تنص في الفقرة الثالثة منها على الآتي: (ينعقد للسلطة القضائية الاختصاص القضائي عند الفصل في الخصومات وإصدار الأحكام وفقاً للقانون).
كما خالفوا المادة (٤) من قانون الهيئة القضائية لسنة ١٩٨٦م تعديل ٢٠١٥م في فقرتها الأولى والتي تنص: (تكون ولاية القضاء في جمهورية السودان لسلطة مستقلة تسمى الهيئة القضائية)، وكذلك المادة (٩) من ذات القانون التي تنص على الآتي: (تتولى المحاكم الفصل في كافة المنازعات والجرائم وتختص كل منها بالفصل في المسائل التى ترفع إليها طبقاً للقانون).
من المعلوم إن القاضي لا يحكم بعلمه الشخصي وفقاً لما قررته المادة (٩) من قانون الإثبات لسنة ١٩٩٤م في الفقرة (ب) والتي تنص: (تعتبر البينة مردودة في أي من الحالات الآتية: (ب) البينة التي تبنى على علم القاضي الشخصي)، كما لا يتحدث القاضي إلا وفقاً لسلطاته القانونية من خلال محضره القضائي وبعد إعماله لمبدأ السماع وكفالة حق الإتهام والدفاع عملاً بما استقرت عليه مبادئ العدالة وميثاق حقوق الانسان لسنة ١٩٤٧م ودساتير كل العالمين، ليعلن تبعاً لذلك قناعاته بموجب الحكم قضائي ليكون هو عنواناً للحقيقة وفقاً لما قررته صراحةً المادة (٥١) من قانون الإثبات المشار إليه سابقاً بنصها على الآتي: (تعتبر الأحكام القضائية حجة قاطعة على الخصوم فيما فصلت فيه ولا يجوز تقديم دليل ينقض تلك الحجية).
بناءً على ذلك فلا يجوز للقاضي حديث السياسة كما لا يجوز له الحديث إلا بعد التثبت في محضر الدعوى المنظورة أمامه ليقول الفصل ليس بالهزل.
إن أي ممارسة قضائية بخلاف ذلك تأتي على النقيض من قواعد السلوك القضائي الرصين وهي بذلك مرفوضة لدينا كقضاة جملةً وتفصيلاً لأنها تأتي في سياق الممارسة السياسية ولا تحقق العدالة التي ننشدها وتنشدها كل الشرائع، بل وعلت بها شعارات ثورة ديسمبر المجيدة.
إن النظام الدستوري للبلاد قد أسند حماية الحقوق الدستورية للمحكمة الدستورية، وإن إعادة تشكيلها من اختصاص مجلس القضاء العالي، وعلى شعبنا الجسور أن يعيدها بنضاله المتصل، دون تدخل لمؤسسة القضاء.
جماهير شعبنا الصابرة:
باسم وحدة قوى الثورة كان أمامنا خياران لا ثالث لهما؛ إما أن نسكت عن هذا السخف والإسفاف السياسي ونترك القضائية توغل في الاستغلال السياسي لأغراض الكسب الرخيص فتنهار العدالة التي تنادينا إليها جميعاً وتصير مؤسسة القضاء محلاً للتهكم والمهزلة والتشرذم والشلليات أو نختار الصعب ونقتل الفتنة في مهدها ليظل القضاء متماسكاً وقوياً وقادراً على رد كل مظلمة ومعاقبة كل مجرم بكل حياد وتجرد ونزاهة وفقاً للقانون لا يخشي في الحق لومة لائم، ومن ثم ننآى بمؤسسة القضاء عن كل استقطاب سياسي.
سنظل قضاة السودان ندافع عن هذا الصرح حتى يستقل تماماً عن كل الأنظمة الحاكمة ويظل حصيناً برجاله عن كل الالتفافات الخبيثه قادراً في كل الأزمنة على إقامة العدل بالإحسان، يقتص لكل قتيل ويأخذ الحق من كل جبار عنيد، فالقوي عندنا ضعيف حتى نأخذ الحق منه والضعيف عندنا قوي حتى نرد الحق له.
السادة/ رئيس وأعضاء مجلس السيادة:
إننا في قضاء السودان قديماً وحديثاً لا نهاب إعلان الإدانة لكل قاتل بعد التثبت ومن خلال أحكامنا القضائية ولا يمنعنا عن ذلك رهبةٌ ولا رغبة، وعلى ذلك نعلن تَبَرُأنا التام من كل بيان يصدر بالمخالفة لهذا المنهاج لأنها لغة الساسة، أما لغتنا التي نعرف فهي الأحكام القضائية وفقاً لما يقرره القانون.
إن الواجب على أجهزة الدولة في النيابة وغيرها أن تقوم بواجباتها دون مناشدة أو طلب، ومن ثم إحالة كل المتهمين أمام القضاء ليرد الحقوق إِلى أهلها بعد التثبت واليقين حتى لا يفلت مجرم من عقاب أو يلوذ فاسد بعضد سلطة أو يستقوي بحزب أو قبيلة، فالناس أمام القانون سواء، وسيادة حكم القانون هي طريق الخلاص ومنبع الحضارة وسبيل الاستقرار.
نادي قضاة السودان
الإثنين: 23/يناير/2022م