مقالات

شكرا..الجنرال البرهان

المسار نيوز شكرا..الجنرال البرهان

حسبو كاوير

إن لم يسجل التاريخ للبرهان موقفا واحدا غير نجاحه بفضل الله ولطفه في عبور أصعب واخطر مرحلة في السودان لكفاه ذلك…وتتمثل الخطورة في كونها مرحلة بالغة التعقيد ..أعقبت نظاما حمل كل سمات النجاح وبعض ملامح الفشل..إذ كان إسلاميا قويا قابضا..ثم ضعيفا منفتحا..وإذ سقط بعد أن حاربه العالم كله..وإذ سقط بثورة شعبية مصنوعة.
لقد نجح البرهان في تجاوز المرحلة بكل متناقضاتها..عبر الجنرال منذ أن نحى ابن عوف نفسه ومع دراماتيكية تكوين المجلس العسكري وحالات الحذر والترقب ببقاء قيادات كبيرة أو مغادرتها للمشهد.
نجح البرهان ومجلسه العسكري في واقع يعج بالخلافات والأطماع والمحاور..نجح البرهان و الانتقالية حبلى بكل سفاح وعلى قارعة كل سفيه.
لم يكن أحد يتوقع أن كومبارس السياسة من ٱل قحت تضيع وقتا ثمينا في الاستعراض والتشفي.. لقد فات على الذين صنعوا وسائل الثورة أن يضعوا سقفا زمنيا لاستخدامها..إن استمرار صبية قحت في استخدام الوسائل (المليونيات المصنوعة اولا والمزعومة أخيرا) أضاع فرص التغيير وأدخل البلاد في فراغ شامل..إن غربة الثورة وغرابتها وأنها معدة مسبقا بأيد خارجية أنها ما زالت رهن التكنيك في شعاراتها وفعلها الثوري وردة فعلها..ويدل على ذلك أن البلاد ما زالت تشهد حراكا ثوريا رغم التغيير الذي تحقق قبل ثلاث سنوات تحت مسمى (الردة مستحيلة)..وهذا بالطبع يعني خللا كبيرا في ترتيبات المشهد المطلوب وعلة في من يديرونه.
كل ذلك شجع البرهان فهز جزع نخلة قحت الخاوية فتساقطت عملاء ومأجورين سرعان ما استنجدوا بسادتهم الذين فتر حماسهم بعد أن رأوا مخرجات وكلائهم بلا رصيد ودون المطلوب.
إن أكبر خدمة قدمها البرهان للإسلاميين ليست هي قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١م ..وإنما هي صبره على قحت لأكثر من عامين وهي تدير واقعها العامر بالعبثية..فتصدعت تلقاء نفسها..أكبر مكسب حققه البرهان للإسلاميين هو أن قحت أثبتت فشلها لكل العالم بما فيه من صنعوها ومولوها دون أن ينقلب عليها.
كثير من الإسلاميين تأخذهم العاطفة وحمية الإنتماء فيرون في استمرار حبس قياداتهم ظلما مسؤول عنه البرهان..لكنني أرى أن المكسب هو استمرار حبسهم دون أن يتعرضوا لمحاكمات جائرة تعقبها عقوبات سريعة كانت ممكنة في ظل ما كانت ترتب له قحت وخاصة الحزب العجوز…وإن قيست مدة الحبس الطويلة بدون محاكمة فإنها منطقية إذ حالت دون عقوبات سريعة كانت ستدخل البلاد في دوامة من الفوضى لا يعلم مداها إلا الله..ويضاف إلى ذلك الخيارات التي وضعها البرهان بشأن ملف الجنائية الدولية والذي فوت الفرصة على دوائر داخلية وخارجية كان تخطط لإدارة الملف بطريقة غير هذه.
من المكاسب غير المرئية (البركاوي) الذي كان يصرفه البرهان في مناسبات كثيرة كلما ظن الناس أن سفينة الإنقاذ ما زالت سائرة ولا تبالي بالرياح
لن يستطيع أحد أن يحصي المكاسب التي حققها الجنرال للبلاد وهي تودع (ثلاثين عاما)…وما زالت متوحدة ومتماسكة ..لقد أدهش الرجل الداخل والخارج والخصمين.
لقد أصبح الجنرال البرهان في توصيف غريب.. عدو الخصمين وصديقهما في نفس الوقت.. هو عدو الإسلاميين إذ خان قيادتهم..وهو عدو قحت إذ سفه أحلامهم.. وإذا أردت أن تعرف العكس فما عليك إلا أن تعكس الصورة.
النجاح الأكبر المتوقع لكل الأطراف أن الرجل ما زال في موقعه وموقفه لم يتغير..وإنما الذي تغير هو حال الخصوم..فقد تزحزحت بهم الأحداث وبإمكان الجميع النزول إلى ملعب التنافس الديمقراطي..لم يعدو الجنرال البرهان سوى أن يكون حكما يشير غالبا بصافرته إلى دائرة سنتر الاحتكام الديمقراطي لقحت وعندما كثر عنفها وتجاوزها أخرج كرتا أحمرا أراه لها ليلا ولكن غباءها جعلها تصر عليه نهارا..وحكما بالنسبة للإسلاميين لعلهم يستفيدوا من الزمن الضائع المتطاول بسبب عبث قحت وارتباك فرقها الذي أضاع جل الوقت الأصلي..بل حكما يشهر صافرته صوب دائرة السنتر الانتخابي حتى في وجه رعاة التغيير المزعوم والفيفا السياسية العالمية.
سيحفظ الناس للرجل أنه ابقى الحال على ما هو عليه بسبب فشل ذريع لقحت في إدارة التغيير منذ عشية التغيير وحتى اليوم.. وتمسكها عبثا بافعالها الصبيانية من مظاهرات واعتصام وعصيان مجرب.
على الإسلاميين الانتظام في دائرة الوقت الافتراضي ..ليس لدعم الجيش.. أو الانقضاض على قحت..وإنما الإنتظام في المجتمع لتغيير وسائل الحراك الذي أثر سلبا على طبيعة الحياة في كل مجالاتها.
الخروج المزمع في يوم ٢٦ يناير ينبغي أن يكون نوعيا بحيث يغير تكنيك الخروج ومخرجاته..دعم الجيش لا يكون بتسمية وإنما بفعل يرسم ملامح وجه الخروج الجديد.
إن ما لحق بالجيش سببه الساسة فليكن خروجنا دعما للانتقال السياسي..وليس إساءة واستعداء وإهانة كما يفعل الٱخر.
شكرا برهان لقد جعلت التغيير ممكنا مذ جئت وقد فشلوا.. شكرا برهان فما زال التغيير ممكنا وبمشاركة الجميع باستثناء المؤتمر الوطني..شكرا برهان فما المؤتمر الوطني إلا حزب قد مات..وإن مباديء الإسلام حية لا تموت.
قوموا إلى برهانكم يرحمكم الله..والحركة الإسلامية ماضية ولن يخبوء لهيبها.
اتركوا القيادات للسجون فهي ابتلاء..فإما تقاة يزيدهم الحبس ورعا وقوة ..وإما فسدة يطهرهم السجن ويزكيهم.
٢٦ يناير يوم التجديد والعزم الأكيد..أخي سر ولا تلتفت للوراء ..طريقك قد خضبته الدماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى