في مسألة ” الإنقلاب الذي يترنح ” ..
كتب الرائع عبدالحفيظ مريود ” قائلا :
بدون زعل
ما أظن يفيدنا الإنتظار .. يا قلبي
البقارى ، من المسيرية الزرق ، فى نواحي ” لقاوة ” ، قريب لصديقنا الناقد الفذ ، محمد الربيع محمد صالح ، يسأله ، تسعينات القرن الماضى ، والحرب على العراق قائمة :
إت آ محمد ولدي ، كني ما فتح الرادي دا،د ، بسمع صدام حسين ، صدام حسين … صدام دا آتو ؟
= صدام حسين دا راجل فحل يا عمى..دا رئيس بلد اسما العراق .
فحل سوى شنو المعنى ؟
= داوس كم وتلاتين دولة يا عمي .
داوسن وحييييدا ؟
= واي … دواسن وحيييييدا .
ضرب العم أخماسا فى أسداس ..
هذا رجل شجاع جدا ” فحل”،د ، كونه يقاتل أكثر من ثلاثين دولة ، وحيدا ..” بقول :
يوم هو فحل زى دا .. ما يخلى شغلتا النية دى ، ويجي يبقى لينا ناظر هني ، فى دار المسيرية دي ” ..
شايف كيف؟
يتشكل العالم وفقا لدار المسيرية ، بالنسبة إليه .
وبما أنها أهم مكان فى العالم ، قلبه النابض ، وبما أن المسيرية أرفع خلق الله – وفقا لتصوارته – فإن أفعال صدام حسين ، وبطولاته المتمثلة فى قتال أكثر من ثلاثين دولة ، ستضيع هباء .. وكونه رئيسا لدولة تسمى العراق ، هو قمة ” الشغلة النيئة ” ، لذلك عليه أن يتركها ، ويأتي ليشغل منصب ” ناظر عموم المسيرية ” ، وهي ” شغلة الرجال الحقيقين ” ، التى تليق بشجاعته ، تلك ..
الكثير من السودانيين ، ومستجدو السياسة منهم ، لا تقل تصوراتهم للعالم عن تصورات البقاري ، فى ديار المسيرية الزرق ..
يتشكل العالم، طموحاته ، تحالفاته ، استراتيجياته ، تكتلاته ، مصالحه ، حربه وسلمه ، وفقا لرغباتهم وهواجسهم ووعيهم الكونى المحدود .. لا ينبغى للعالم – المجتمع الدولى – أن يتحرك بعيدا عن هذا ” الإستخطاط ” – كما يترجم كمال أبو ديب مفردة إستراتيجيا – السودانى السياسى الناهض إلى بناء الدولة المدنية الكاملة، التى ستكون – فى حد ذاتها – درسا تتبادله العوالم أجمع ، العلوية منها ، والسفلية .
شايف كيف؟
مثل الناشط الأحمق فى الفيديو ، الذى يطالب الدبلوماسي السودانى فى أمريكا ، بتسليمه مبانى السفارة وممتلكاتها ، لأن من عينته – الحكومة الإنقلابية – غير شرعية ..
فرغ السياسى السودانى المحدث ، المستجد ، من أن البرهان لن يشهد تشييع الملكة إليزابيث ، إلى أن الدعوة جاءته ، بوصفه قائدا عاما للجيش السودانى ( ولو كان ذلك كذلك ، فلأن قائد الجيش هو أعلى سلطة فى البلاد الهاملة ، التى تواجه عجزا فى تفكير وإرادة المدنيين ) ، ثم إلى ” بدلتو الكحلية ” التى ” أحرجتنا ” – كمسيرية زرق مشهود لنا بالتقاليد الراسخة والمعارف البروتوكولية – بين شعوب الأرض ، إلى أنه لن يصل نيويورك لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، إلى أنه خاطب قاعة خالية إلا من بعض الأجراء … ليصبح ذلك كل جهدنا السياسى فى ” مقاومة الإنقلاب ” ، وتنبيه المجتمع الدولى إلى أنه ” مجرم ” ، قتل الفور فى زالنجى ، كان رئيسا للمؤتمر الوطنى فى محليتها ، قتل الثوار فى فض إعتصام القيادة ، قتل الشباب الغض فى المواكب التي أعقبت إنقلابه ..
شايف كيف؟
هل السذاجة هى التى تحرك السياسى المستجد ، ليتخيل أن علاقات العالم بالسودان ، ستتحرك وفقا ل” كراهيته” للبرهان ، وللعسكر ، وللإنقلابيين ؟ هل سيترك العالم ” شغلته النيئة ” ليكون مفككا للإنقلاب ، مقاوما له ، مطالبا بالمدنية الكاملة الدسم ، أى ناظرا لدار المسيرية ؟ أم أنها بعض ” أحلام اليقظة ” ، كسل زيدان الذى يصور له أن ” المجتمع الدولي ” سيتحول إلى ” ثوري ” ينازل ” السلطة الإنقلابية ” فى شروني ، شارع الستين ، باشدار ، المؤسسة ، وصينية الأزهري ؟
بل هو التصور الفطير للعالم والأشياء .. القراءات الدولية تقول إنها ستتعامل ” السلطة الإنقلابية “، كأمر واقع ، وضروري فى هذه المرحلة السياسية من تأريخ السودان ، وهو الأمر الذى كان على ” المسيرية الزرق ” فى الخرطوم ، أن يتعاملوا معه ، لتأسيس المرحلة المقبلة .. لم يعد أحد – فى عالم اليوم – يحفل بالثورة السودانية ، ولا يقيم لها وزنا كعامل حاسم فى تغيير الحياة فى السودان .. ليس على العالم أن يتعامل مع طفولتك وسذاجتك السياسية .. لن يحدث اعتصام جديد أمام القيادة أو أمام العيادة ، ما لم يسمح الجيش بذلك ..كما حدث من قبل ، بالنسبة لاعتصام القيادة ، لينصب الطيب صديق منصته ، أو لاعتصام الموز لتشتغل كاميرات سيف الدين حسن …
بعضهم استنكر واستقبح أن تمنح الولايات المتحدة تأشيرة الدخول ، ابتداء ، للبرهان .. ومنهم ناشطون فى ” حقوق الإنسان ” ، انطلت عليهم حيلة ” الحقوق ” التي رفعها الخواجة…
وبعضهم ظن أن الأمم المتحدة ستوجه الدعوة إلى جعفر سفارات ليخاطب الجمعية العامة ، بما أنه سبق وأخبرهم ” سفارة سفارة “، وكدا ، يعني .. أو أحد ” على شاكلته ” ..
شايف كيف ؟
وقد صار الوضع الداخلي بالنسبة ل ” السودانيين الآخرين” – وهى العبارة القاتلة فى بروتوكول أبيي ، ضمن بروتوكولات نيفاشا – من الثورة والمد الثوري ، مثل وضع شيخ العرب ، فى رفاعة من الأعرابي الذي يأتيه ، كلما أفلس ، ويؤكد له أن حكومة ود تورشين قرررربت ” كان ما الشهر دا .. الشهر الجاي ” ، فينفحه شيخ العرب نظير ” بشاراته “، وحين نصحه أحدهم بأن الأعرابي مجرد دجال كاذب ، لم يزر ” البقعة ” في حياته ..
رد شيخ العرب بأنه يعرف أنه دجال كاذب ” إلا حديثو حلو” ..
فعبارة ” الإنقلاب يترنح ” حلوة .. وقعها كطعم الشهد – شهد المهندس ، طبعا – لكنها تصدر عن دجال كاذب ، يعرف هو – قبل الآخرين – أن من يترنح ليس هو الإنقلاب ، ولكنه شيئ آخر ..
وليس كل من وقف موقفا وطنيا وراء جيش بلاده هو ” لاعق بوت ” ، كما وأنه ليس كل وقف ضده ” لاعق شيئ آخر” ،، صاح ؟؟