ليتك بيننا أيها الحسين
بالأمس مضي يوم مضي فيه عزيز وترجل فيه فارس لا يشق له غبار ورجل والرجال قليل ، وسياسي فاق الساسة بسنة ضوئية ، ذكراه عصية علي النسيان إذ ترك أثر بسبيل مقيم ومازال إصلاحه الزراعي يذكره الذاكرون ، وقد مر عليه التتار وجاس في أرضه المغول وتركوه صعيدا جرزا ، حين غاب الوطن ومات الوطنيون وتركوا من خلفهم ذرية ضعافا جعلوا من أرضنا الخضراء بورا بلقعا وسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء وبعدما كانت تنبت فيها ملايين السنابل وفي كل سنبلة مائة حبه فقد أضحي طعامها الرطب زقوما وغسلينا ، لقد كنت أنت الحدث وصانع الحدث وقائد ترجع لك الجماعات وتنتظر منك المبادرات وتجد عندك الحلول وقولك فصل ورأيك سديد وأمرك رشيد وقد كنت ركن شديد وملاذ وصوي يوم لا ملاذ ولا صوي ، كتب اسمك الإصلاح الزراعي في مشروع الجزيرة درة السودان وعماد اقتصادها وتغني لك كنارها وعزف لك أبو عشرين وشد أوتاره المزارع فكانت حلة خضراء تسر الناظرين وتبهر الوافدين وتجارب بركات علم وللمحالج أزيز وبذرة قطن وزيت وتصدير ، ليتك أبي كنت بيننا اليوم ، لرأيت أرضا غير أرضك ، وأهل ليسوا أهلك وبلادك التي تركت بين أهلها الحب والكرم والترحاب وإغاثة الملهوف أضحت مراتع ذئاب وصراع أفيال وقطط سمان وضعاف وسنابل يابسات ونخلة حمقاء أبت بظلها والصيف يحتضر ، أمواج هوجاء وعواصف وزواحف وانصاف متعلمين وسياسيون في لبوس ساسة بعقلية طلاب وحركات ناشطين يتعاركون في يومهم ويكيدون في ليلهم واذا ما خالفهم صديق الأمس وذهب برائه سلقوه بألسنة حداد كأن لم يكن لهم رفيق بالأمس ، وقد كثر بينهم الهمز واللمز والرمز حتي عاشت أطراف البلاد بين قتيل وجريح ، فشرد من شرد ولجئ من لحئ ، ومعسكرات نزوح ونساء يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن غير مكترثات وفتيات في عمر الزهور لا يضيرهن إن فعلن الممدود والمقصور وذلك حينما إختلت الموازين واضطربت المقاييس فصار الرجال لا قوامين علي أنفسهم ولا علي نسائهم ، فكسر النفاق وطفح الكذب وانتشر القوالون والقوادون والربالون والدجالون فعم الفساد وذبحت الأخلاق وطاف زائر الليل وعسعس الليل ونام وأكتست البلاد ظلاما ، وساسة يتكسبون يبيعون ويشترون وباسم الشعب يكذبون ، ويلهثون نحو الكرسي ولو جلبه لهم مستعمر ، فهم لأمر يأتمرون وله يطيعون ولسفارته يحجون ، وشعبهم تركوه في غيابة الجب ولا يهمهم لو إلتقطه بعد السيارة ، فهذا حالنا أيها الشريف وماذا تقول وماذا نقول ، وقد قال كاتبنا من قبل ( من أين أتي هؤلاء ) ولا ندري أنحن المقصودون أم من ثرنا عليهم أم كلنا سواء في العذاب مشتركون ، وهذه هي أرضك سيدي الشريف أصبحت مرتع ذئاب وضباع وجنجويد وبغاث طير وجوابة سفح وانتشر فيها الحديد ولم يكن بينهم رجل رشيد ، وكل حزب بما لديه فرحون وقد اتفقوا جميعا علي أن لا يتفقوا وغاب الراعي ومات الساقي فهلك الولد وفات القطار ورحلت القوافل ومازال السياسي غافل وبالدنيا حافل حتي نصبح ذات صباح ولسان حالنا يقول ( نجمك غاب شفاك محال ) وحينها لا نضع عصا عن الترحال وذاك يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وفصيلته التي تأويه ولات حين مندم .
محمد عثمان المبارك