ماذا لو لم تحدث إجراءات أكتوبر التصحيحية
التعاطي الدولي والوضع الاقتصادي
تقرير : المرصد السوداني
البيان الاول للقائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في يوم 25 اكتوبر كان رسائل للداخل والخارج ، فقد كانت قراراته تصحيحا لمسار الثورة وتحصينه وتجنيب البلاد للانزلاق في الفوضى بالإضافة للحفاظ على لحمة المجتمع من الفوضى والانقسام ، وهذه الأجندة حقيقية وهي ما يؤمن به المجتمع الدولي الذي لا يتعاطى مع اللغة الهتافية التي تصنف كل ما هو ضدها انقلابا ، والمجتمع الدولي نفسه لا يمانع من التعامل مع الانقلابات حتى تتم إدانة كل من يقف ضد خط سياسي محدد بأنه انقلابي ، فقد تعاطى المجتمع الدولي خلال الفترة السابقة مع عدد من الانقلابات في أفريقيا ولم تتجاوز ادانته لها التصريحات وإبداء القلق ، مثل انقلاب السيسي وانقلاب قيس سعيد والانقلابات في غينيا ومالي وغيرها .
فلو كانت الأحزاب تراهن على موقف المجتمع الدولي من الانقلابات وتصر على تصنيف فض الشراكة معها على أنه انقلاب ، فلتعيد حساباتها من جديد ، فلا يمكن أن تسخر المجتمع الدولي كاداة لتوجه معين ينظر للامور بعين الساخط غاضا النظر عن ما يصيب شعبه من ضيق وما تعيشه البلاد من فراغ دستوري متطاول، وهذا الأمر لا تتحمله القوات المسلحة لوحدها وانما تتشارك فيه كل القوى السودانية المدنية والعسكرية .
وقد شهدت الفترة السابقة رئاسة البرهان لمنظومة ايقاد ، مع تراخي موقف الاتحاد الافريقي وتوصية المفوضية السياسية برفع تعليق عضوية السودان بالاتحاد، وكذلك دعم دول الترويكا لقرار البرهان بتكوين حكومة كفاءات مستقلة وانجاز توافق وطني يفضي للوصول لانتخابات ، كذلك الولايات المتحدة ليست كل أجهزة صنع القرار فيها ضد اجراءات أكتوبر، فمنها من يفضلون الاستقرار الأمني والسياسي على فوضى الأحزاب، وكذلك يفضلون التعامل مع طرف واحد لا أطراف متعددة وذات اهواء مختلفة .
كذلك أستمرت لقاءات سفراء دول الاتحاد الأوروبي بالرئيس البرهان وإبلاغه دعم بلدانهم لاستمرار البلاد وخطوات إنجاز الانتقال الديمقراطي في السودان ، أما بالنسبة للمبعوث الخاص فولكر بيرتس والذي يمكن وصفه بأنه مبعوث مختطف من احد تيارات قحت افسدت مهمته كوسيط ومسهل سياسي بين الفرقاء السياسيين وفشلت مهمة لجنته الثلاثية التي بدأت حوارا وصل لطريق مسدود بسبب استفراده بالقرار فيه بمعاونة مستشاريه من الفاعلين السياسيين الاحزاب الأربعة.
فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي ففي البدء لا يمكن إسناد الركود الاقتصادي وتدني مستوى الحركة الاقتصادية وتراجع معدل الدخل القومي على اجراءات أكتوبر التصحيحية، فهي امتداد لاجراءات سابقة بدأتها حكومة الحرية والتغيير برفع الدعم وتطبيق روشتة البنك الدولي بدون أي اجراءات اصلاحية مصاحبة ، بالإضافة الي كون الحرية والتغيير لم تنشغل بإصلاح الوضع الاقتصادي بقدر انشغالها بتمكين احزابها وتمرير سياساتها الانتقامية بحث الشعب السوداني ، كما أن الوضع الاقتصادي بدأ في التراجع منذ نجاح ثورة ديسمبر 2019 وذلك بتوقف عجلة الإنتاج وتوجيه جهد الدولة بالكامل نحو الأمن ومجابهة التحديات السياسية ، ثم بعد توقيع اتفاق جوبا أضيف بندا آخرا وهو سداد مستحقات السلام والتي هي ليست بندا تنمويا للمناطق المتأثرة بالحرب وإنما بندا للترضيات السياسية للقادمين للقصر من مناطق النزاع .
عليه فإن سوء الأوضاع الاقتصادية ليس بسبب اجراءات البرهان وانما هي تمرحل طبيعي لسياسات اتخذتها حكومة قحت وأبرزها تحرير سعر الوقود، وأي زيادة في الوقود خلال هذا العام ليس مسؤولا عنها البرهان ولا جبريل، وانما المسؤول عنها حكومة حمدوك والذي هتفت له الجماهير يوما (أرفع بس ) .
كذلك كعامل مهم لتبيان سبب الركود فقد شهدت تلك الفترة ظهور وباء كورونا والذي أثر على الاقتصاد العالمي بشكل عام ، والسودان مرتبط باقتصادات الدول المانحة والمستوردة لمنتجاته وقد شهدت فترة كورونا التي امتدت لعامين أزمات في كافة مداخيل الاقتصاد الكلي للبلدان النامية .
والآن الوضع الاقتصادي لم يسهم في تدهوره غير غياب الحكومة التنفيذية وغياب الحكومة ناتج عن تأخر التوافق بين المكونات السياسية وعدم التوافق سببه الاخزاب الأربعة الصغيرة التي تسعى لعاب الشعب بمزيد من الضيق بما يمكنها من اتهام النظام الحاكم به ، والمواطن السوداني يمكنه تكييف نفسه مع أي وضع مهما كان سوءه ومنذ أكتوبر لم يحدث أن خرج الناس للشوارع بحجة الغلاء والجوع ، وانما يخرجون لمطالب سياسية ، وعندما خرجت الجماهير ضد البشير كان خروجها بسبب شح الوقود والدقيق وهي أسباب يمكن حلها في إطار تنفيذي لا سياسي لكن تم توظيفها للمطالبة باسقاط البشير ، وبعد إسقاط لم تحل بشكل جذري ، فقد تم رفع الدفع كاملا عن الدقيق والوقود ، وبعد ذلك ظلت تحدث فيهما الأزمات بشكل مستمر ، لذلك الحديث عن ضيق اقتصادي سببته اجراءات البرهان هو حديث سياسي والا فمن أين يكسب الذين يخرجون للشوارع رزقهم ؟؟ أو من أي يتلقون مصاريفهم الثورية ؟؟ فهم اما أن يكونوا يعملون بشكل جزئي ليغطوا تكاليف معيشتهم أو أن أسرهم موسرة وقادرة على الصرف عليهم والاستغناء عن مشاركتهم في تحمل نفقات المعيشة ، أو أن هناك جهات داعمة للحراك تسهم في تغطية تكاليف إسقاط النظام لمصلحة الشعب السوداني ومستقبله ، وهذه فرضية واردة في نظرك ومؤكدة في نظر آخرين .
4 أغسطس 2022
المرصد السوداني