ماذا لو لم تحدث اجراءات أكتوبر التصحيحية ( 1 _ 3)
جذور قرارات 25 أكتوبر
تقرير : المرصد السوداني
كانت اجراءات 25 أكتوبر التصحيحية نهاية لفترة امتدت لأكثر من سنتين ، عاشت فيها البلاد الإستبداد المدني في أعلى درجاته ، وقد تمت تلك الإجراءات بتوافق تام بين مكونات القوات المسلحة ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك التي ضاق من تسلط مكونات الحرية والتغيير وخلافاتها الداخلية وأطماع قادتها الذاتية وتعدد ولاءاتهم وتنوع مصالحهم ، فصار حمدوك في الفترة التي سبقت قرارات أكتوبر أكثر قربا من المؤسسة العسكرية ، وقد طرح القائد العام للجيش الفريق أول البرهان خيارين أمام حمدوك ، أن يقوم حمدوك بحل حكومته ويستبدلها بحكومة كفاءات وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية وسيدعمه الجيش من باب مسؤولية الشراكة ، أو أن يحل البرهان الحكومة كاملة ويعيد تشكيلها برئاسة حمدوك من جديد فاختار حمدوك الخيار الثاني ، فتم حل الحكومة وعزل أعضاء مجلس السيادة المدنيين وحبسهم على ذمة قضايا وتجاوزات ادارية ومالية عديدة .
في 21 نوفمبر 2021 عاد حمدوك مرة أخرى وفق الاتفاق السياسي بين البرهان وحمد وحمدوك وكان ذلك تنفيذا لوعد البرهان لحمدوك السابق ذكره ، وقد نص الاتفاق السياسي على تعديل الوثيقة الدستورية واستمرار الشراكة بين المدنيين والعسكريين وتكوين حكومة كفاءات مستقلة وإدارة الفترة الانتقالية بموجب إطار سياسي يشارك فيه المدنيين والعسكريين وقوى المجتمع الأخرى الحية .
لكن حمدوك كعادته لم يستطع العمل تحت الضغط ولا تحمل المسؤولية فاستقال من منصبه وعاد لمهجره بلا بصمة أو فعل سياسي يضعه في خارطة تاريخ السياسة السودانية ، فآل الأمر للمنظومة العسكرية كاملا بالشراكة مع قوى اتفاق جوبا وتحالف قوى الحرية والتغيير الميثاق الوطني الذي يشمل منشقين عن المجلس المركزي للحرية والتغيير بالإضافة لحركات دار فور .
لم يكن البرهان ولا المحيطين به من قادة المؤسسة العسكرية يرغبون في ترسيخ حكم عسكري كامل ، لذلك كانت الدعوة منذ البداية لتوسيع قاعدة المشاركة والاستعداد للانتخابات والبحث الدائم عن توافق وطني ، فدعم القائد العام للجيش كافة المبادرات الداعية للم شمل الفرقاء السياسيين ومن بينها المبادرة السعودية التي كان غرضها التقريب من العسكريين وقوى الحرية والتغيير ، لكن الحرية والتغيير رفعت يدها عنها بعد عدة اجتماعات رسمية وغير رسمية ، ثم المبادرة الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والايقاد ، والتي قاطعتها كذلك قوى المجلس المركزي للحرية والتغيير والتي هي عبارة عن أربعة أحزاب مختطفة لصوت الشعب السوداني وارادته، ثم مبادرة الميرغني الوطنية التي نصت على تكوين حكومة مستقلة ومحاسبة المتسببين في قتل المتظاهرين ، ثم وفي يوم 4 يوليو المنصرم أعلن القائد العام البرهان خروج المؤسسة العسكرية من المجال السياسي وتركه للقوى المدنية لتتفق فيما بينها وتعلن حكومة تصريف أعمال مستقلة تدير أحوال البلاد والعباد ، لتأتي أخيرا مبادرة الشيخ الطيب ود بدر والتي حشدت حتى الآن 85% من القوى السياسية والمجتمعية في السودان حول أهدافها العامة ، ورحبت بها القوات المسلحة لكن ما زالت الأحزاب الأربعة تتلكأ في قبولها ، وهي مبادرة الغرض منها الجلوس في طاولة واحدة وتحديد ماذا يريد السودانيون ؟ مع التأكيد على أن المجال السياسي الذي خضع للتخريب الممنهج طوال 32 عاما يحتاج لجراحة عاجلة تداوي ما علق به من حساسيات وما أصابه من دنس وذلك بإنهاء حالة الاستقطاب السياسي والاختراق الأجنبي .
ومع كل ذلك فقد ظل السقف الثابت لمطالب الاحزاب الأربعة هو تسليمها السلطة كاملة ، وهو طلب من لا يستحق ممن لا يملك، فالسلطة للشعب وليست للجيش والجيش مؤتمن عليها إلا لمن يأتيها بحقها وهو الانتخابات ، وليس هناك ما يسمى بالشرعية الثورية ، فإن هم أصروا على الانقلاب المدني استنادا للشرعية الثورية فمن حق الجيش ان يقابلهم بشرعية الأمر الواقع وفرض شروط العقل والسياسة والتي تعني أن الشعب السوداني يجب أن تحكمه مكونات مفوضة منه عبر الانتخابات لا مكونات مفروضة عليه عبر الضغط والابتزاز .
في الحلقة القادمة سنجيب على سؤال : هل نجحت قرارات 25 أكتوبر في إعادة البلاد للمسار الصحيح ؟ وما هي الخسائر السياسية والمجتمعية المتوقعة في حال لم تحدث تلك الإجراءات ، ومساعي القوات المسلحة في تقليل حدة الاستقطاب والوصول بالبلاد نحو بر الأمان ، وهل يمكن تصنيف قرارات أكتوبر بأنها إنقلاب ؟ وما هي مواصفات الإنقلاب العسكري ؟
المرصد السوداني
2 أغسطس 2022