مراجعة الأحكام
أمل الكردفاني
نصت المادة 1/197 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983 م تعديل سنة 2009 م النافذ: على الآتي:
197ـ (1) لا تخضع أحكام المحكمة القومية العليا للمراجعة على أنه يجوز لرئيسها أن يشكل دائرة تتكون من خمسة من قضاتها لمراجعة أي حكم صادر منها موضوعياً إذا تبين له إن ذلك الحكم ربما إنطوى على مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية ويصدر قرار الدائرة بأغلبية الأعضاء .
فالأصل أن الأحكام التي تصدر في الطعون بغير الطريق العادي وهي الاستئناف تحصل على قوة الأمر المقضي به وهي أكبر من حجية الأمر المقضي به في النظام اللاتيني وهي لذلك تكون عنوانا للحقيقة القانونية ومن ثم متمتعة بالبتوتة أي أنها باتة بحيث لا يجوز رفعها للمراجعة مرة أخرى وذلك تغليبا لنهائية الأحكام بحيث لا يظل طريق التقاضي مفتوحا وإلا أدى ذلك لعدم استقرار المراكز القانونية.
وقد بين المشرع هذا المبدأ كأصل عام ثم خرج عليه استثناء ، مستندا إلى أن الدستور يجعل من الشريعة الإسلامية المصدر الأول للتشريع ومن ثم فيجب ألا يخالف الحكم الصادر من المحكمة العليا هذا الأمر الدستوري بأن يجعل من القضاء مشرعا من ناحية وهذا التشريع نفسه يخالف المصدر الدستوري الأول للبرلمان من ناحية أخرى. فسلطة القضاء في ملء الفراغ الموضوعي فيما يسمى بالمنطقة المفتوحة في القانون ليست سلطة مطلقة بل يجب أن تراعي هي نفسها الموجهات الدستورية كأعلى قاعدة في القواعد النظامية. ونسبة ﻷن طريق المراجعة استثناء من الأصل العام فقد خوله المشرع فقط لرئيس القضاء فهل يجوز لرئيس القضاء تخويل غيره في النظر في أمر المراجعة؟ نصت المادة 17 فقرة واحد من قانون تفسير القوانين على الآتي:
17ـ (1) إذا نص القانون على تفويض احدي السلطات في مباشرة أي اختصاص أو القيام بأي عمل جاز لهذه السلطة، مالم يمنعها القانون صراحة أو ضمناً ، أن تنيب عنها في مباشرة ذلك الاختصاص أو القيام بذلك العمل شخصاً أو أشخاصاً باسمائهم أو الشخص أو الأشخاص القائمين وقتئذ بالعمل في الوظيفة أو الوظائف التي تعينها تلك السلطة وبالشروط والاستثناءات والصفات التي تقررها، وفي هذه الحالة ، يكون لذلك الشخص أو لهؤلاء الاشخاص مباشرة ذلك الاختصاص أو القيام بذلك العمل فورا أو من التاريخ الذي تحدده تلك السلطة ومع ذلك لا يجوز لتلك السلطة استناداً إلى هذا النص أن تنيب عنها أي شخص في إصدار اللوائح أو القواعد أو الأوامر التي فوضت في اصدارها بمقتضى أي قانون
وهذا يعني أن لرئيس القضاء أن ينيب عنه نائبه لقراءة الحكم واستكشاف مدى ما به من مخالفة ولكن ليس للنائب أن يصدر الأمر النهائي ﻷن هذا لا يجوز فيه التفويض ، فكل ما يمكن لنائب الرئيس أن يقدم توصيته للرئيس ولهذا الأخير السلطة التقديرية في قبول أو رفض التوصية.
استكشاف الحكم : وهو يختلف عن مراجعته وهو يستند إلى أن الأصل في العمل القضائي هو الصحة وعلى المخالف إثبات العكس . ولكن يثور التساؤل حول مدى إلمام رئيس القضاء أو نائبه بأمور الشريعة الإسلامية كلها ، فبالإضافة إلى الدور الذي يلعبه المحامي طالب المراجعة فإن رئيس القضاء نفسه يمكنه اكتشاف المخالفة من خلال هذا الاستكشاف السريع فإذا صعب عليه الأمر أدرك بأن الحكم يحتاج إلى مراجعة من مجموعة إرادات قضائية ، إذا فالعبرة هي في السلطة التقديرية الواسعة التي يتمتع بها رئيس القضاء بحيث لا يجوز اخضاعها لرقابة القضاء ، وهذه السلطة هي موقف وسط بين مشكلتين ، الأولى مشكلة تكدس الاحكام المطلوب مراجعتها ومشكلة مخالفة الحكم لمصدر أساسي من مصادر التشريع وهو الشريعة الإسلامية. ويبقى الأمر موكولا لمدى خبرات رئيس القضاء ويقظان ضميره واهتمامه بكل الطلبات التي ترد إليه اهتماما جديا.