مسامحك يا حبيبي !
ياسر الفادني
الإذاعة السودانية أجرت حوار الصراحة مع السيدة فاطمة خالد زوجة الرئيس السابق عمر البشير في عهد حكمه ، سألها المذيع : كيف تلقيت نبأ زواج الرئيس من وداد بابكر ؟ قالت أرسل لي رسالة قال فيها : تم عقد قرآني علي أرملة الشهيد إبراهيم شمس الدين ، لم أغضب (ورديت عليهو برسالة) قلت له فيها : (مسامحك ياحبيبي) ! لأنني أعرف أنه يحب أغاني عثمان حسين ، فاطمة خالد لم تر حظها من الشهرة واللمعان السياسي كما وجدته وداد بابكر بالرغم أنها كانت سيدة السودان الأولي كما متعارف عليه عرفا ودبلوماسيا ، الغريب في الأمر أن في عهد الحكومة الإنتقالية لم نسمع يوما بسيدة السودان الأولي!
ما علينا…….. كما يقول القامة السر قدور ،
مسامحك ياحبيبي مهما قسيت عليا
قلبك عارفو ابيض..أبيض عارفو قلبك وكلك حسن نية
الكلمات خطها المبدع الراحل المقيم البروفيسور السر دوليب وأهداها للرائع عثمان حسين صاحب الصوت الدافيء الذي قل أن يجود الزمان به مرة أخري ، هنا الملاحظ أن الشاعر والمغني كررا المقطع قلبك عارفو أبيض..ابيض عارفو قلبك … هذه المدرسة في النقد الحديث تسمي مدرسة التشبيه التفاعلي التكراري المتبادل ، التكرار المتبادل هنا الهدف منه إستقطاب عاطفة المستمع ولفت نظر أذنه الداخلية وتحريك عضلات العاطفة في قلبه نحو المفردة ، هذه المدرسه انتهجها فنانون كثر و التشبيه التكراري ربما يكون مفردة أو يكون جملة وربما يكون كوبلي، مثلا الراحل المقيم سيد خليفة عندما غني هي نظرة ….هي نظرة تنسي الوقار وتذهب الروح المعني كرر هي نظرة مرتان ، الراحل مصطفي سيد أيضا كرر( كوني النجمة) عدة مرات ، وقد يكون التكرار التشبيهي كوبلي كما غني سيد خليفة رائعة الأستاذ محمد يوسف موسي …
أعيش في ظلمة وأنت صباحي
أنت طبيبي أموت بي جراحي
من شعري وهبتك أسمي مكانة
يالجازيتني بكسر جناحي
هذا الكوبلي كله تشبيه كرره سيد خليفة مرتين …
السر دولييب شاعر وشاعر وشاعر حسه مرهف ويعرف تماما كيف يخرج المفردة ليمتع بها المتلقي ، يتناول في شعره أسلوب السهل الممتنع ، يحلق في سماء النغم بالحرف الفخيم ، يميل إلي البلاغة في شعره الدارجي والتشبيهات الرنانة ، تغني له العديد من الفنانين( انا والاشواق) محمد ميرغني،لكن كان نصيب الأسد ما تغني به عثمان حسين مثل (قلبي فاكرك) ،(حبيبي الروح بالروح)،( اللون الخمري) غناها عثمان الشفيع (وسيبني من دلك شوية وكتر الأشواق علي ) التي تغني بها عصام محمد نور..
شكّلت رائعته (مسامحك يا حبيبي) ــ لحن وغناء عثمان حسين إبداعاً مغايراً تمكن من خلالها الشاعر بحسه المرهف أن يتجرّد من النزعة البشرية التي تميل إلى العتاب واللوم ليصل الى قمة التسامح :
مـسـامحـك يا حـبـيـبـي مهـمـا قـسـيـت عَـلـيـَّا
قـلـبــك عـارفــو أبـيـض وكُـلـك حُـسْــن نِـيـَّـة
ما خـطــرت لـقـلـبـى سـلـوى تـحِـيــدو عـنـَّـك
وما مـمـكـن أعـاتـبـك وياخـُـد خاطـرى مـنـَّـك
ليأتي بعد ذلك الى إبداء حسن النيّة التي جعلت دوليب يجد العذر للمحبوبة ويعتبر خصامها قولاً وليس فعلاً :
أنا عـارف خـصـامـك وغـضـبــك في كــلامـك
ما من جـوَّه قـلـبـك كُـلـُّـو عـلى لـسـانـك
ثنائية متفردة جمعت بين رائعين الفنان عثمان حسين والشاعر السر دوليب واخرجا عسلا سودانيا مصفي من مفردات جزلة ولحن شجي الا رحمها الله واسكنهما فسيح جناته مع الصديقين وحسن أولئك رفيقا .. .