مقالات

من المتحير ؟

المسار نيوز من المتحير ؟
عندنا في العامية والقول الشعبي أن المتحير هو الفائق وعندنا في المثل الشعبي الأثير ( الفائق يهمز أمو ) وتمضي الأعراب وأهل اللغة في أن الفائق أو المتحير هو ( الذي يلوك بين شفتيه لبانه ولا يقضي لبانة ) وبين هذه الأمثال عاميها وفصيحها سار أناسيا كثيرا ، وخاض معهم كل إمعة جهول  ، وكل من كان من سلالة المغول  ، ومن ظن أنه يمدح حبيبته بتول حان قال : ( حبيبتي بتول وجدتها تبول في مربط العجول ) ولا غبار عليه فقد قال علي بن أبي الجهم حين أتي من البادية فمدح الأمير فقال له : ( أنت كالليث  في قراع الخطوب وكالتيس وسط الغنم ) وعندما تغيرت حياته في حدائق المدينة أنشد يقول (عيون المها بين الرصافة والجسر 

جلبن الهوي من حيث أدري ولا أدري ) فذاك تحول المكان والظرف والزمان ، أما الصنف الآخر الذي أشار له المقال
وإتبعهم كل قارع طبول ومقلد جهول ، وقد رأينا أن هنالك أفواج من الرجرجة والدهماء كل حياتهم أو جلها مكاء وتصدية ، وسار شعبنا وكثير منهم وأنصاف المتعلمين ومن ناصف الله بصائرهم ، ومدعي الحداثة الذين لا يفرقون بينها والقراصة ، حتي رأينا من أنكر أهله وفيهم من نسي أمه وأبيه وظن أنه إرتفع درجة وفي الحقيقة قد هوي ، ومنهم من تابع الخيل التي بنواصيها الخير وهو بغلة عرجاء متفرجخه ، ومنهم من تابع الثعالب فأصابه ما أصاب أبي مركوب حين أتته الرياح من كل مكان وأمتثل لأمر الثعلب فوضع رأسه تحت جناحيه فهجم عليه الثعلب وأخذه أخذة رابية وأدخله البطن اللعينة ذلك لأنه لم يطلع أو يقرأ ( برز الثعلب يوما ) وقد شدد علينا الأستاذ يومها في حفظها وفي حصتها ، فحفظناها عن ظهر قلب ولم ننساها أو نتناساها ، وكل ما مر بنا الماكرون رددناها سرا وجهرا حتي تجاوزت حلمات أذنيهم ؛

برز الثعلب يوما في ثياب الواعظين
ومشي في الأرض يهدي ويسب الماكرين
ويقول الحمد لله إله العالمين
وأزهدوا في العيش إن العيش عيش الزاهدين
واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
وأتي الديك رسولا من إمام الناسكين
عرض الأمر عليه وهو يرجو أن يلينا
فاجاب الديك عذرا يا أضل المهتدين
مخطئا من ظن يوما أن للثعلب دينا
وعندما صالت الثعالب وملأت الأرض ضجيجا وطفحت بها المنابر كانت قصيدة ( برز الثعلب يوما ) حاضرة في الذاكرة فرددناها سرا وعلانية وكانت لنا وجاء من مكر الثعالب فلم نركب سفريات الهدي الإسلامية لتعبر بنا الي جنة الفردوس ولم نشتري من المخبز الآلي الإسلامي لانه لا ينتج مصاحف ، بل اتخذوا من دينهم كنتينا وقد فهمنا الكنته ( كما تقول لغة العصر ) وظللنا نمشي علي الأشواك ونعض علي قضية السودان بالنواجذ ولم نتزحزح أبدا ولو كان تحت أخمصنا الحشر.، ولم يغرينا وعد ولم يرهبنا وعيد ، ولم ننحني خوفا من عاصفة أو نركن للذين ظلموا أو نخاف من صنديد أو رعديد ، ولم نمضي في سيرة بل كنا في مسيرة وشتان بين السيرة والمسيرة ، فالأولي تنتهي ببيت أحد الزوجين صفقة ورقيص للمطاميس والثانية صيرورة وديمومة ولم تكن ذكريات فالذكريات هن صدي السنين الحاكيات بل ذكري بقاء وخلودا في سفر الخالدين الذين إن قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم زادتهم عزيمة واصرارا واستكبار ، وقد أشفق علينا المشفقون وحكي لنا المرجفون وأغلق بابه منا الخائفون ولنا شهود في ذلك حاضرون ، وفي هذا لا نزايد علي أحد ولا أحد يزايد علينا ، ولا نريد في ذلك علوا في الأرض ولا فسادا ، لأننا في رحلة مقدسة وقد خلعنا نعلينا بالوادي المقدس طوي ، ألم يكن أيها الجاهل الوطن مقدسا ! ، وقد قال الذي لا ينطق عن الهوي ( أحرجتني من أعز البلاد إلي ) يقصد بها مكة ، فللوطن وترابه قدسية وقد أنشد شوقي ؛
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي

فليل بهيم ودياجير وكرب ألم بالوطن ومازال هنالك من يلمز هذا ويغمز ذاك ، فقد كان في الصين فريقان متقاتلان ، ويومها غزتها اليابان ، وحينها اتفق الطرفان وهكذا تبني الأوطان ، فمالكم كيف تحكمون ، وإذا أججت الأمارات النار في بلادنا تصمتون ، فالأوطان لا تشتري ولا تباع ، والشعب هو المطاع ، فمن أخذ بيد شعبه ظفر ، ومن طلب الحل عند غيره لم يقضي له وطر ، فلتمس الأمر عند شعبك وأعرف الواقع ، وكن بالقرب من شعبك ووحد كلمتك تركب سفينة النجاة وتستوي بك علي الجودي ، ومن حمل شكواه الي الخارج سيعطونك بالشمال ويأخذون منك باليمين فتضيع ثم تضيع بلادك ، فلا تلعب في ملعب غير ملعب شعبك فقد لا تجد في المسرح مكان ، ولن تدرك الدكان ولن تلحق الكونكان ، فالدكان يفتح ثم يقفل ، والكونكان يقفل ثم يفتح ، وإن كان موقفك كما نري فلن تدرك الدكان ولن تحصل الكونكان ،. ثم لا تظفر بهذا ولا ذاك ( رحم الله حمدي بدر الدين ) فهل يا تري من فيكم يتذكر ( فرسان في الميدان ) أم أصبحت الأوطان في صدور العارفين ، وليت لنا هدهد سليمان ليأتينا بنبإ يقين وقد ظهر ترباس ونحن نردد ( يا ريت ، ، يا ريت ) جفت الأقلام ورفعت الصحف .

 محمد عثمان المبارك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى