من يحكم من
لايعرفون قيمته ولا يدركون موقعه لأنهم لم ينظروا حولهم ولم يتفكروا في آياته في الآفاق فكم شريد ضاقت به الأرض وكم لاجئ بكي أطفاله جوعا ثم بكي بالدموع السواجم وبعد أن كانت حياته زاخرة بالنعم ورزقه رغدا يأتيه من كل مكان صار عيشه ضنكا وحاله سجما وذاك ما ناله بعد عراك وسجال ، ومن لا يدرك المقدسات من مواقع القلوب ، ولا يطلب الدين المستحق غير الأحرار ولهم في ذلك مسار طويل ومواؤيل تتلي وأثار بسبيل مقيم يقف عليها أصحاب القلوب السليم التي لم يعلوها الران أو يغشاها الكدر ، عصية علي النسيان يقف عندها من ألقي السمع وهو شهيد إذ لا ينساها أو يتناساها من ضمه أب وعزه خال ووقف علي قبر أب وجد وأخ شقيق وصديق حميم وأم حانية وأخت شفوقه كل ذلك كان فوق البسيطة ملء السمع والبصر فقد أقلتهم بحب وضمتهم بحب لم تنكرهم أو تتنكر لهم ، ومن ترك فيها ذكري فستبقي تحيي بالدواخل متقدة كنار الشوق ، ووقادة تهدي الي الرشد والي الطريق القويم يمضي فيها من يدرك أن العمر كالضيف أو كالطيف ليس له إقامة ، ويؤمن بها من يعرف قدرها ويسبر غورها وقليل ماهم ، فمنهم من ادعي حبها وسلك مسلك الثعالب ولكن الله غالب ، ثم مضت عليها أزمان وفتن هنا ، وفتن هنالك ، ومصيبه تصيب وعيار يدوش ، وساقية تدور وكيد ومكايد وبيع وشراء وأهوال تشيب لها الوالدان ولكن توازنها وعدم إختلالها ذلك بأن فيها رسل محبة وأعمدة إنسانية وأوتاد أرض ومستضعفين من النساء والولدان فكان أكرم الأكرمين بهم حافظا ولهم معينا ، ألم تروا أن الكلب ارتفعت قيمة بصحبته أصحاب الكهف ، والقرية ترقت الي مدينة بصلاح الأب وفضله ، وكذا كان وطننا الحبيب ، فكم من تغني له كما غني الخليل وكم من استشهد من أجله كما استشهد في مدفعه عبد الفضيل وفوق ذلك الذين لا ينامون من الليل إلا قليلا ودعوات الركع السجود ، وكل ذلك تاريخ كتب في الأرض ونقش في الحجر حكاه النيل ونطقت به مروي وشاهد عليه البركل وذكري يسير بها الركبان وعظة وعبر يدركها أولي الألباب ، إنه الوطن سادتي توالت عليه الجراح علي الجراح وتكسرت عليه النصال علي النصال ، فمتي تطيب جراحه ومن يطيب خاطره ويضمد جراحه ، فماذا علي الذين يتشاكسون كما تشاكس الذين من قبلهم في ابن لهما وكل منهم ادعي أنه إبن له ، ثم تحاكما الي القاضي ، فحكم لهما كما حكم أبا الحسل للأرنب ، أو كمثل الإمرتين اللتين تشاكستا وتشاكلتا في إبن لهما ثم ذهبتا الي لقمان الحكيم ليحكم بينهما ، فقال لهما اشطره لكما شطرين ، ولكن كلاهما لم يكن إبن لهما فوافقتا علي ذلك فهذا ما حدث في الماضي حين ما ذبح التتار صديقنا منقو ثم قطعوا لسانه فلم يسطع أن يقل ما عاش من يفصلنا فكنا شمالا بلا جنوب ، وجنوب بلا شمال ، ومازال بقية التتار يجوسون خلال الديار ، يحملون سكاكينهم الطويلة في الليلة الظلماء ولا ندري متي يطلع البدر ، ثم يتمشدقون بحلو الحديث ويفتنون السامعين بمعسوله ويدسون السم في الدسم ولا يمكن للفسيخ أن يكون شرباتا ، فمثلهم مثل كمثل السامري الذي شال عجل الذهب ثم قال موسي خائن ومجرم ، فما أكثر إخوة يوسف وأتباع عاقر ناقة صالح ، والذين جابوا الصخر بالواد ، وأخشي أن نصبح ذات صباح ونسأل عن الصباح وين راح ، فهنالك الذين يمشون بين الناس بنميم وبينهم عتل وفوق ذلك زنيم ويقلبون المواضع ويزيدون المواجع يبغونها عوجا ، يتكسبون باسم الوطن وبه يبيعون وبه يشترون حتي صار بعضهم قاروون ثم يرسمون لوحة كذوبة مدفوعة الثمن ، فمالكم لا تنظرون الي مصلحة البلاد والعباد والكل يدعي أنه من أصحاب المصلحة حاملا قميص عثمان وأنه فهمان ، ويظن أنه إمتلك الحقيقة وبيده الحق ثم يسوق الناس بالخلاء حتي اذا ما خلا تركهم في الخلاء بواد غير ذي زرع فأصبحوا في صحراء يترآي لهم فيها السراب ماء ، فكنا هكذا والنيل يجري بين أيدينا فلا زرع حصدنا ولا ماء روينا ، ثم رويدا رويدا نقترب من الهلاك ، فمتي نستبن النصح ونجلس بحب لنخرج الوطن من دهاليز الموت ودائرة الصراع ، فليكن قولنا أولا كلنا أبناء الوطن ثم نقبل علي بعضنا بالحب فالوطن فوق الجميع فاحسنوا إليه يحسن إليكم ويسع الجميع حبا وكرامة .
محمد عثمان المبارك