مقالات

من يدمر لا يعمر

المسار نيوز من يدمر لا يعمر

يحكي في الأثر عن أمير جمع حاشيته ومستشاريه وخاصته ودار الحديث عن شئون القصر حتي شكله وبنائه وما إنتابه من تشويه وبعض التصدعات وأشار بعضهم الي ترميمه وآخرون الي بناء أخر غيره َوخلصوا مع رأي الأمير علي إزالته وبناء آخر جديد مكانه ، ثم شاورهم من المهندس الماهر الذي ينفذ ، واستقر رأي الجميع علي مهندس ذائع الصيت وعمت شهرته الأفاق وتحدث عن فنه في المعمار علية القوم ، فقال الأمير أتوني به ، فتم احضاره بين يدي الأمير وبعد الاتفاق علي المواصفات المعمارية شرع المهندس وعماله في إزالة القصر القديم وانقاضه ولم يتركوا له أثر وفي كل ذلك كانت عين الرقيب علي التداني ، ثم بدأ المهندس في وضع القواعد من القصر ولكنه لم يبدأ بعماله السابقين ولم يشرك منهم أحد ، فتعجب الأمير من فعله ثم أرسل في طلبة وسأله لما استبدلت العمال السابقين بأخرين غيرهم ، فأجابه المهندس إن السابقين يا مولاي الأمير هم عمال التدمير وأما الجدد هم عمال التعمير ومن يصنع التدمير لا يصلح للتعمير ، فتلك حكمة بالغة ، ونحن مازلنا نسير مع العمال السابقين ولم نعبر محطتهم فوضعنا يدنا مع يدهم فصرنا معاول هدم وهذه الشوارع كما ترون عنوانها ومنظرها الكئيب الذي لا يسر الناظرين ، تلال قمامة في وسطها وحجارة منثورة وعلي أطرافها زبالة منظورة التي يقيم عليها الذباب كرنفالات وقطط ثمان وأخر يابسات وأطفال جوعي ينبشونها بحثا عن شئ يملأون به جوفهم الفارغ وحفرة هنا وحفرتين هناك وعدد لا يعد بينهما وأسواق تعج بالباعة الذين يمشون علي الأوساخ مبتسمين لا يخشون دركا ولا هضما ، ومطعم بالقرب منهم وجماعة يأكلون لا يخافون مرضا ولا يخشون موتا ولا تدور الصحة بخلدهم إلي أن تصيبهم دائرة أو تحل برفيق لهم ، وعربات من شاحنات كبيرها وصغيرها لا تعرف للشارع حرمة ولا للقانون عندهم موضعا ، وسائق حافلة مستهتر اذا أخرج يده من الشباك يكفيه أن يكون الشارع ملكه وقد يقف في قارعة الطريق لا يخاف أحدا ولا يحترم ولكنه يخاف من بوليس الحركة أكثر من الذي جعل له لسانا وشفتين ، وآخر سائق ملاكي في أبهي حلته وهو من فارهته يقذف بفارق الزجاج ولا يابه لنظافة ما دام بيته نظيف والشارع ليس في داره أو من داره ، والكل في جبانة هايصة وسوق اتسم بالوساخة وفوق ذلك تجد فيه الأطباء وتنتشر الأبحاث وهنالك صاحب الحبة السوداء بجوار تلال الزبالة مطلقا نداؤه الحبة السوداء علاجا لكل داء ، فماذا تبقي لكليات الطب ومعامل الأبحاث فلتغلق مدرجاتها ولتسرح طلابها وعلي الصيدلة والسموم والمواصفات والمقاييس أن تحجز مكانها في السوق الشعبي علها تأتي بقبس أو تجد علي السوق هدي ، كل هذا وذاك وآخرون يتحدثون عن البناء وكيف يبنون وكيف يحلمون يوماتي وهم يدمرون بيوتهم ويخربونها بأيديهم وكثير منهم يخوض مع الخائضين ويلعب مع اللاعبين مثلهم كمثل البغلة المبارية الخيل ، ومازال أغلبهم يجهل ما يحاك بالوطن وما يجري في أطرافه ، ودولة هوينه تلعب به شليل بل تجتمع بمجتمعات وزعامات محلية ويأتونها طوعا أو كرها أو فرحا أو في غياب عقل وهنالك جهات من خلفهم لا تريد بالبلاد خيرا ، كيف بهم وهم لنا يكيدون وقد أحسنا وفادتهم وكنا لهم ملاذا حين تقطعت بهم السبل وأمنا حين ملأ قلوبهم الخوف وطعاما حين كان رفيقهم الجوع ، وهاهو أفورقي لا يعرف للجميع موضعا ولا يذكر لهم جميلا ، ولا لمن أواه احتراما ، ولكن بلادنا محصنة بعزيمة أبنائها وبكبرياء نسائها وشموخ رجالها وأوتاد أرضها الذين يعرفون قدرها ويؤدون فرضها ، فلنكن حضورا عقلا وبصرا وبصيرة ، فالوطن غال ومن ضاع وطنه ضربت عليه الذلة والمسكنة ، وهنالك من يكيدون بليل في جنح الدجي داخل الغرف المظلمة ولكن كيدهم ضعيف والذي من خلفهم سيقبض الريح وسيندم ندامة الكسعي وسيكون عاقبة أمره خسرا ، فمهما فعلوا فإن مكرهم مفضوح وكيفما تدثروا فإن أمرهم مكشوف ، فإن للوطن أبناء خلص ومازالت ضمائرهم حية وأصابعهم شموعا تضئ عتمة الدجي ، فلنكن رسالة وطن التسامح ولنشمر عن سواعد الجد لنخرج من هذا النفق المظلم فجميعنا أبناء الوطن ومقسم علينا بالشيوع فلنكن له درقة وحماة حتي لا تتفرق بنا السبل وليكن شعارنا فلتذهب الأنفس والأرواح ويبقى الوطن شامخا، إنسانه مقدام ومواطنه لا يضام .

محمد عثمان المبارك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى