الرأيمقالات

الماركسية و فتح باب نقد الدين و الدولة

زين العابدين صالح عبد الرحمن

في البدء لابد من تقديم الشكر ” لمنبر أفاق جديدة للحوار الفكري” ببريطانيا، والذي تخصص في تناول القضايا الفكرية، باعتبار أن الفكر هو أداة التغيير في المجتمعات، و أيضا هو الذي ينهض بالوعي السياسي. و الدكتور صديق الزيلعي هو مؤسس المنبر والمشرف على نشاطه و فعالياته، و هو إسهام ينطلق من قاعدة ماركسية تبحث عن الحوار مع التيارات الفكرية الأخرى، باعتبار أن نشاط المنبر ليس قاصرا على إجنحة اليسار بالتصور العام، و مفتوح لحوار مع الأخر. بالأمس السبت 28 سبتمبر 2024م حضرت ندوة المنبر عبر خدمة ” “Zoom و التي كانت بعنوان ” الدين و الدولة” قدمها الأستاذ جمال عبد الرحيم صالح ، وهي الندوة الثانية التي تتناول قضية الدين، الندوة الأولي كانت بعنوان ” الإسلام و علمانية الدولة” قدمها الدكتور عبد الله النعيم ” من الجمهوريين” و أيضا هي ندوة تفتح بابا للجدل الفكري بين تيارات الفكر الإسلامي..
قدم الزيلعي المحاضر بأنه درس في جامعة الخرطوم “اقتصاد” و نال درجة الماجستير في الأحصاء و أهتم بقضايا البرمجيات.. و قال كانت للمحاضر اهتمامات مبكرة عن قضايا الإسلام السياسي، وقضايا الإصلاح الديني. و أكد الزيلعي هذه القضايا مهمة للقوى الديمقراطية واليسار وقوى التغيير والحداثة.. و أشار إلي أن المحاضر كان قد أصدر أربعة كتب تناول فيها عدد من القضايا، منها ” فتح العقل المسلم” الدين و الدولة و فك الاشتباك” و يتضح من عناوين الكتب، أن المحاضر يتناول القضايا وهو محكوم بمنطلق السياسة وليس الفقه.. و تناول قضايا الدين من زاوية سياسية تكون رؤيته متأثرة بمرجعيته الفكرية التي ينطلق منها الكاتب..
قال المحاضر في بداية الندوة أن المحاضرة لا تهدف إلي مناقشة التعريفات لمصطلح العلمانية أو الدولة الدينية أو المفاصلة بينهما، و أيضا لن تتعرض للسياقات التاريخية التي نشأت فيها تلك المصطلحات ومدى قربها وبعدها من واقعنا في السودان.. قال المحاضر أنه شخصيا يتبنى فصل الدين عن الدولة، و أن تكون مرجعية التشريع للشعب يمارسها وفق ما يراه مناسبا.. أن تبني الإسلامويون قضية ” أن الإسلام دين و دولة” قد أحدثت أزمات عديدة بدأت منذ عام 1965م، و إشارة المحاضر هنا “لحادثة معهد المعلمين العالي، التي ترتبت عليها طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان، و أخيرا حل الحزب الشيوعي” والتوضيح هنا من كاتب المقال” بالتالي يكون المحاضر قد حدد اتجاه المحاضرة و الفلسفة التي ينطلق منها لنقده للقضية..
انتقد المحاضر جمال عبد الرحيم مبدأ الحاكمية وفقا للنصوص القرآنية ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” و قال هي مرتبطة أيضا بقضايا الحكم والتشريع وفقه المعاملات، و تصبح مرجعية الدولة ومستوياتها المختلفة قائمة على القرآن و السنة. و تكون المؤسسة الدينية حاضرة في حياة الناس.. الملاحظ أن المحاضر قد وضع العديد من العناوين، و يحاول نقدها بالفلسفة السياسية دون الدخول في القضايا الفقهية ، و بالتالي تصبح محكومة برؤيته الفكرية السياسية. كان الاعتقاد أن المحاضر سوف يقدم نقده لفلسفة الحكم في الإسلام من خلال نقده للقضايا الفقهية المتعلقة بالقضية.. و لكنه نقدها من خلال رؤيته السياسية، لذلك بنى النقد من خلال القوانين و السياسة الاقتصادية التي تبنتها الإنقاذ في سنين حكمها..
إن قضايا الحكم في الإسلام، و في كتب أصول الحكم لا تعتمد على رؤية واحده ، و لكنها اجتهادات فقهية متعددة. مثالا لذلك أن قضة الحكم عند خالد محمد خالد تختلف عن سيد قطب وعن المودودي، و أيضا اجتهادات مالك بن نبي و تقي الدين النبهاني و الترابي و حسن حنفي و الغنوشي، و من الشيعة هناك اجتهادات الإمام الخميني و شريعتي و محمد باقر الصدر رغم أن الصدر اعتمد في كتابه ” فلسفتنا” على دحض الفكر المادي، و هناك أجتهادات العلامة محمد على فضل الله خاصة في قضية الديمقراطية. و هي أجتهادات مؤسسة على فقه الحكم في الإسلام. و نشرها في مجلتي ” المنطلق و الحوار” كان الاعتقاد أن المحاضر يقوم بنقد هذه الاجتهادات لأنها تشكل الرؤية العامة للقضية الحكم في الإسلام. لكن المحاضر اعتمد على النقد السياسي..
أن المحاضرة و التواصل في موضوعها سوف تفتح بابا للحوار بين التيارات الفكرية في السودان، و الحوار هو أهم الأدوات التي تنقل السياسة من تعقيداتها التي تأسست على الإقصاء، ووضع الشروط في مواجهة الآخرين.. كان هناك سؤال للزملاء لماذا تجاوزوا اتفاقية نيروبي 1963م التي وقعتها أغلبية القوى السياسية ” اتفاقية الدين و الدولة” ؟ و هي الاتفاقية التي حاولت أن تخرج القوى السياسية من جدل ” الدولة العلمانية – و الدولة الإسلامية” حيث تبنت الاتفاقية ” الدولة المدنية الديمقراطية” كمخرج و كتب عنها محمد إبراهيم نقد ” الدولة المدنية الديمقراطية” كان الاعتقاد أن الزملاء يفتحوا حوارا حولها، لكن للأسف أن الزملاء رجعوا مرة أخرى لإثارة العلمانية و الإسلامية مما يؤكد أن هناك عدم وضوح في الرؤى الفكرية داخل المنظومة الحزبية.. في الختام أثمن مجهودات ” منبر أفاق جديدة للحوار الفكري” و أتمنى أن تكمل الرؤية بمحاضرة أخرى يتحدث فيها أحد المهتمين بقضايا الفكر من الإسلاميين.. فالحوار الفكري بين التيارات وحده القادر على إزالة الرواسب التاريخية بين القوى السياسية و يخلق واقعا جديدا.. مع خالص التقدير للزيلعي و حنفي.. نسأل الله حسن البصيرة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى