إفتتاحية فيما عدا الفقرة الرابعة يمهد بيانها لمياه تحت الجسر : قحت المقبورة ( ناقص الأمة ) تستعد للتماهي مع الثلاثية
• ثم ما يشير لصفقة مسمومة تحت الطاولة بين قحت ومثلث الغرباء
• دور بعثة فولكر هو تأمين الدعم الفني والمادي للانتخابات ليس أكثر
ظلت اللاءات والتمنُّع السمة السائدة لبيانات الحرية والتغيير ، حتى يخال لمن يطالعها أن ما بين بعثة فولكر وبينها كمثلما بين الحديد والحداد . لكن بيانها الأخير يبدو كما لو أنه جبَّ ما قبله .
لكن البيان المنشور بموقع سودان برس الذي أعقب ما قيل عنه اجتماع طارئ للجنتها المركزية ، تحدث بلسانٍ مختلف ؛ البيان قفز قفزاً لبلوغ الفقرة الثانية حيث انقلب على ما سبقه من بيانات الرفض والإدانة والاتهام للآلية الثلاثية بأنها تمهد للتقنين لما وصموه بالانقلاب كأمرٍ واقع : ( نؤكد التزامنا وتعاطينا الإيجابي مع العملية السياسية …. ) وفق ما ورد في تلك الفقرة من البيان . عندئذٍ فقد حل ( التعاطي الإيجابي ) بديلاً لما سبق من رفضٍ مبرم .
ثم تتبع الفقرة الثالثة ضاجةً بالهتاف الراتب حول ( تهيئة المناخ ) وحكايات العنف والإعتقالات وما عداها من أسلوب الوصمة العقيم الذي تبناه اليسار السوداني وشايعه الليبراليون الجدد .
أما الفقرة الرابعة فهي تتجه مباشرةً لمقصد الجماعة الضالة بالمطلب الذي حشدت له كل سياقٍ سبق ؛ ( نحن من نحكم ! ) بمعزلٍ عن أي واقع أو منطق سوي ! وذلك هو لب البيان ، والمبرر أنهم هم فقط ممثل الثورة وممثل القوى المدنية والوريث الشرعي للحكم مليكاً متوجاً لا يأتيه الباطل ولا يجب أن ينازعه منازع .
وتدرجاً نحو ما هو تحت الجسر تحل الفقرة الخامسة المخبرة عن لجنة لصياغة موقفهم ! .. ثم انظر لبيان يلخص الأمر كله في تهيئة المناخ بإطلاق سراح منهمين جنائياً على أنهم معتقلين ، والخلوص لتسليمهم السلطة وفق ما كان عليه الحال قبل هبة الخامس والعشرين من مايو ، وتسريح كل مؤسسات الحكم الحالية بشخوصها .. إذن ما هو الجديد الذي يتطلب صياغة موقف ؟! .. أم أنهم ينتظرون هذا القادم أن يرتب أوراقهم لعله يعيدهم لسدة الفعل ! ..
وعند الفقرة الخامسة يعود البيان لمربع الهتاف المكرور حول ( بناء جبهة داخلية لهزيمة الإنقلاب ) .
خلاصة القول أن قحت ( ناقص حزب الأمة ) تقبل بالآلية الثلاثية ، وبالعملية السياسية عوضاً عن الرفض ، لكنها تتمسك بالحلم القديم إنهاء السلطة الماثلة كلياً بحيث هي الوريث للحكم . يلاحظ أن البيان أغفل عمداً أي ذكر للإنتخابات أو لمدة الفترة الإنتقالية ، بفرضية أنهم الورثة بحكم الشارع والشرعية الثورية وفق الشعبوية البلهاء التي شرعنت لقبحهم طوال سنوات ثلاث من الخطل الأبله .
الغني عن القول أن مثلث الغرباء الذي ابتدعه حمدوك يحمل الرؤية الغربية التي تطابق رؤيتهم ، ولقد ظلت مواقفه هي ذات مواقفهم دون حياء . ومعلوم أن الغرب يستمع لأجندته أكثر من استماعه للخبراء المتجردين . لقد تحدث مقال موقع ( فورين بولسي ) المنشور في الثالث من مايو الجاري عن هشاشة وضعف المكون المدني الذي حكم ما قبل الخامس والعشرين من أكتوبر ، ونفى عنهم صفة السياسي القادر على تسيير الدفة ، كما تحدث عن فسادهم في ذهاب بعض المساعدات لمكتب حمدوك ، وعن جهل جيش المستشارين الغربيين الجرار بمكتبه والذي قصرت قدراته عن أدنى النجاح .. لكن الغرب ليس بالحريص على خير للبلاد بقدر حرصه على تكريس أجندته ، ولمثل هذا حلت الآلية القبيحة بين ظهرانينا ظهيراً للأحزاب المجهرية المنبتة .
وفي الختام فإن بيان قحت الأخير يفاقم الشكوك حول صفقة تحت الطاولة يعمل عليها فولكر وود لبات مع هذه الأحزاب . وربما أن تلك المجموعة تعد العدة لترتيب ما ترى أنه الحل ورفعه لمجلس الأمن لممارسة أقصى الضغوط على السلطة القائمة تمهيداً للتمكين من جديد للحكم المقبور . وهنا وجب التنبيه للمؤامرة التي ينويها هؤلاء منذ اللحظة ، والعمل فوراً على إبطال سحر مثلث الغرباء ورابعهم قحت .. الآن هي ساعة الرفض الأبي للبعثة بغضها وغضيضها واستحداث مرجعيات سودانية برعاية الرئيس البرهان يجتمع حولها الصامتون بهدفٍ أوحد تلخصه وسائل ثلاث ؛ حكومة إنتقالية عاجلة ، والإعداد للإنتخابات ، ثم انفتاح الصناديق ليختار أهل السودان من يمثلهم . ومن حق قحت أن تلتئم مع الجماعة أو أن تتحوصل كذاكرةٍ كريهة تؤذي أنف التأريخ .. وبالنسبة لفولكر وبعثته تنحصر المهمة في تأمين الدعم الفني والمالي لقيام الانتخابات ، إن أراد أو أراد من ابتعثه الإبقاء على البعثة .