عزيز أنت يا وطني
هي قصة أو رواية تتردد على الألسن وطار بها الزمان وتعجب منها المكان فأضحت مثلا للشجاعة وعنوانا للبسالة تسير بها الركاب تجسد معني حب الأرض ورفعة الأوطان وكيف ترابها مقدس وأديمها عزيز دونه المهج وفداه الأرواح وتاريخه يكتب بدم الأبطال وسيرة الشجعان , ربما هي حقيقية أو لربما هي من نسج الخيال لكن الأهم العبرة منها والوقوف عندها , فمن يتمسك بأرضه ينتصر والارادة هي من تحقق الانتصار .
بعد ان أكمل ( نابليون ) سيطرته على أوروبا قرر غزو روسيا وكسر شوكتها وضمها تحت سطوته وكان نابليون عندما يمر في طريقه في المدن اﻷوروبية وقراها متوجها نحو روسيا كان الناس يخرجون من بيوتهم لمشاهدة موكب نابليون المهيب وجنده شاكي السلاح وخطواتهم التي تهز الأرض هزا تملأهم الكبرياء ويحلق بهم الغرور كأنما قد ملكوا الخافقين ولم يكن فوق البسيطة سواهم ، وعند دخول نابليون أطراف اﻷراضي الروسيه شاهد فلاحا” روسيا” منحنيا” وبيده منجله يحرث أرضه بنشاط وهمة لايعرف الملل ولا يغشاه الكلل ولم يعر موكب نابليون إنتباها ولا شجنا”ولم يلتفت له ، فقال نابليون لحراسه وقادته : ألاترون هذا الفلاح الروسي الحقير لم ينظر إلى موكبي وبنات أوروبا يخرجن من غرف نومهن شوقا” وشجنا” لمروري أمام منازلهن ؟ فمن هذا وماذا يكون؟؟
فأوقف نابليون الموكب وأمر جنده بإحضار الفلاح فأتوا به مكتفا”
فقال له نابليون : لماذا لم توقف الحراثه وتنظر إلى موكبي ..؟
فقال الفلاح : انا مالي ومال موكبك فأرضي أولى بإهتمامي ..
فقال نابليون : ألا تعرف من أنا ؟
فقال الفلاح لايهمني أن أعرف من أنت ؟
فقال نابليون : عليك أن تعرف أنا نابليون الذي سأحتل بلدك وآخذ أرضك.
فقال الفلاح أنت غازي حقير وأحقر من أن تحتل بلدي وأن تطأ أقدامك أرض أبائ ومرقد جدودي.
فقال نابليون .. يجب أن تحمل إسمي معك دائما” لكي تذكرني في كل وقت
وقال لجنوده : أكتبوا إسمي على ساعده فأحموا سيخا” من الحديد و كتبوا إسم نابليون على يده ليكون وشما” لا يستطيع نزعه ولا يفارقه حلا وترحالا،
فما كان من الفلاح الروسي إلا ان قام برفع منجله وضرب يده فبترها ورمى بها وسط ذهول نابليون وجنوده وضباطه ، ثم رفع صوته قائلا : خذ إسمك معك فعار علي أن أحمل إسم غازي حقير مثلك ..
نعم يا سادة !! بتر ذراعه ولم يرض أن تحمل عارا واسم معتدي أثيم .
فنظر ( نابليون ) إلى من حوله من جيشه العرمرم وقال كلمته المشهوره :
( من هنا تبدأ الهزيمة ) فكانت بالفعل هزيمته النكراء من روسيا ..
وأكد أغلب المؤرخين أن موقف الفلاح هذا أمام جنود نابليون وذهولهم من أهم عوامل هزيمة نابليون المذلة ..
فلنكن بأرضنا إلتصاقا وبالأوطان حبا ومتي كان ( المواطن ) مرتبطا” بحب أرضه وبلده فهو بذلك يزرع النصر سنابل خضراء لا يغشاها إصفرارا ولا تصبح هشيما تذروه الرياح ولايقبل الهزائم أبدا ولا يفقد الأمل إطلاقا إذ أن حب الوطن يجري في وريده ، ومن كان لأرضه محب ولوطنه عاشق حتما سيفشي السلام ويدعو الناس للإحترام ، فإن سنة الكون هي الإختلاف ولكنها تنبذ الخلاف ، والإختلاف يدار بالحسني والغلبة لمن ساق المنطق فماذا بعد فرعون اذ قال أنا ربكم الأعلي فأمر الله نبيه موسي وأخيه أن يذهبا اليه ولم يكتفي بذلك إذ قال لهما قولا له قولا لينا، إذا العقل هو الحاكم والمنطق هو الدليل وذلك هو لسان الفلاسفة والمرسلين ومن ألقي السمع وهو شهيد ، فما بال أهل السودان في شجار وتناحر ويعودون القهقري لعهود جاهلية خلت وإن سار الأمر علي هذا المنوال فهي قارعة لا تبقي ولا تذر ، وآن لنا أن نحزم أمرنا ونقبل علي بعضنا لنناقش أمر البلاد لنصل الي صبح أغر فنمشي جميعنا علي نور قبل أن تقع الفأس علي الرأس ويفر من يفر من أمه وأبيه وصاحبته التي تأويه ، فإن الأوطان عزيزة ولا يدركها إلا من فقدها ويومها سوف يلبس لباس الجوع والخوف ويفصل ثوب المذلة نطاقا ويمشي علي جدران اليأس ويعيش حياة الشقاء والبؤس ، ومن فرط في وطنه فذلك شر مكانا بل لا يستحق الحياة لأن للأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق ، فإن لم نحمها ونجتمع لذلك سوف تحل بنا الطامة الكبري ألم تروا اليمن السعيد كيف أضحي وسوريا كيف أصبحت ودول بين ذلك كثيرا ، والحرب الذميمة التي ليست بالحديث المرجم ، وإني أري تحت الرماد وميض نار ، وقد ضمنا هذا النيل فلنشرب من مائه العذب شربة تطفئ الحرور ومن الغابة ظل نتكئ عليه ومن الصحراء تبر وتراب ومن الجبال نكون معها أوتادا لوطن يسع الجميع ، وكلنا أبناء هذا الوطن وجميعنا سودانيون تجمع بيننا المواطنة بلا تمييز ولا يضيرنا من همز ولمز وسار بين الناس بنميم ، فلنجعل من تعددنا قوة ومن قبليتنا تعارف وإنسجام ومن إثنيتنا مودة ومحبة ووئام وليكن الوطن في حدقات العيون لا فرد خير من فرد ولا جماعة أحسن من جماعة ولا قبيلة أربأ من قبيلة يحكمنا دستور التراضي وتجمعنا الإنسانية ونحب في الوطن ونخاصم في الوطن وترابه غال وأرضه مقدسة وكلنا حماته بالأصالة لا بالوكالة فلندع الفرقة والشتات حتي نعيش في وطن المحبة والسلام .
محمد عثمان المبارك