المدنيّة لا تعني حرمان الجيش من “حسابات السلامة”.. كلمة حق في جنود الوطن …..
عادل عسّوم ….
إلى الطابور الخامس من الأقلام المأجورة – من اليسار- لطعن جيش السودان من الخلف، والتغبيش على العقول أقول:
راجعوا مستوى وعيكم ووطنيتكم، وناصروا جيش السودان الذي يخوض الحرب الآن في حدودنا الشرقية..
إلى الأبناء ممن يسعى إلى مدنيّة حقيقية:
المدنية في كل تعريفاتها لم تعن يوماً رفض الجيش وحرمانه المشاركة في الحكم والمناداة ببقاء الجيش في ثكناته، هذا بحسابات السلامة للوطن وضمان العدالة في الحكم خلال فترات الانتقال يضر بالوطن ولايفيده في شيء، فالعسكري ترجح كفة حبه للوطن على بقية شرائح المجتمع؛ لكونه يقدم نفسه للموت في سبيل الوطن وأهله، وهو بذلك أحرص على الوطن من بقية السياسيين، فأي رجحان للكفة بأكثر من ذلك؟!
وكل عاقل وصاحب وعي يعلم يقينا بأن فترات الانتقال يكون الجيش خلالها هو الاصلح للحكم، إنه على العموم يكون أكثر المؤسسات وحدة ولحمة اجتماعية مقارنة بما حوله من احزاب ومكونات ومنظمات مجتمع.
وجيش السودان لن يكون نشاذاً مهما كانت نظرة البعض له، وللعلم فإن المكونات المسلحة الملحقة بالجيش الآن مهما بدا للرائي بأنها توازيه؛ إلا إنها ليست مليشيات كما هو الحال في دول أخرى مثل لبنان أو اليمن او سوريا او ليبيا او الصومال.
وتاريخ السودان الحديث يسجل لجيش السودان نجاحا لافتا لحكم فترتي انتقال استطاع ان يسلم بعدها السلطة بكل اقتدار وسلام إلى الانتخابات، ويكفيه فخرا ان قدم جيشنا للدنيا بأسرها ايقونات مثل المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الدهب وجعفر محمد نميري والزبير محمد صالح رحمهم الله.
يقابل ذلك أسى واحباط وعدم رضي -حتى بالنفس- من السياسيين من غير العسكر في ثنايا مدنية وديمقراطية، كتب عنها المحجوب رحمه الله وأسهب وأبان وأوضح، وتحدث الشريف الهندي عنها وقال ما قال، وأقول للأبناء:
هل سأل احدكم أو قرأ عن الذي حدث لرائد الاستقلال وأول رئيس مدني للسودان وهو اسماعيل الأزهري رحمه الله؟!
اسألوا يا أبنائي عن الجهة التي سعت إلى ادخاله إلى السجن والسبب في ذلك، وهو أمر لم يشارك فيه العسكر من قريب أو بعيد، ثم مات الرجل بحسرته قبل ان يجد العدالة والانصاف طوال فترة سجنه، ولم تنصفه إلا الانقاذ التي انشأت جامعة بإسمه تخرج فيها العديد منكم.
وللعلم، لست من مؤيدي انقلابات العسكر، ولكن هناك استثناءات تفرضها مصالح الاوطان عندما يخشى عليها من الانهيار كما هو الحال الآن في عدد من الدول من حولنا، ولكن ينبغي أن يحدث ذلك باجماع الجيش، لا ان تنفرد بالرأي جهة او فرد، ولعل الوضع الحالي استصحابا لهذا التوصيف ليس انقلابا، بل تصحيح للوضع وتأمين لسلامة البلاد والعباد عندما يخشى على الوطن من مآلات تضر بسلامته.
ومن ذلك، مجيء الفريق ابراهيم عبود نتاج فشل ساستنا، وكذلك تسلم سوار الدهب لمقاليد الحكم بعد سقوط نميري، والآن وبعد أن (كوّشت) أحزاب أربعة على الحكم بعد أقصت بقية مكونات المظلة التي تجمعها وهي (قحت) بالعشرات من الأحزاب والمكونات، وليتهم عندما حكموا عكفوا وانشغلوا بصلحة البلاد واهتموا بمعاش الناس وصحتهم وتعليمهم، لقد اعترف العديد من رموزهم بفشلهم.
لذلك فإن وجود العسكر خلال فترات الانتقال أدعى لسلامة الوطن وأضمن لعدالة الحكم التنفيذي المدني فيه، اذ يصبح الجيش خلال فترة الانتقال جسما سياديا مرجعيا، وتسنده سلطة تنفيذية/ مجلس وزراء يختار له الوزراء من الكفاءات واهل الخبرة كل في مجاله، وهو ذات الذي حدث من قبل في ثنايا فترتين انتقاليتين.
فما الداعي الآن إلى رفض وجود العسكر خلال فترة الانتقال؟!
لنستعرض بعض تفاصيل فترة الانتقال الأولى اكتوبر 64 وقد رأيت وسمعت الشباب يحتفون كثيرا بأناشيد تلك الثورة، ولكن ان سألت احدهم عنها لاتجده يحيط بتفاصيلها ولاتفاصيل حكم العسكر الذين تفجرت تلك الثورة على حكمهم في ظل هتاف (حكم العسكر ما بتشكّر)!
فهل كان حكم العسكر الذين قامت عليهم ثورة اكتوبر 64 ما بتشكر؟!
لقد كانت اكتوبر ثورة آباء على الحكم العسكري بقيادة الفريق ابراهيم عبود رحمه الله، وهو الذي حكم السودان لست سنوات فقط (من 1958 إلى 1964)، اقرأوا بالله عليكم انجازات العسكر حينها في عهد الفريق ابراهيم عبود وخلال حكم لم يزد عن ست سنوات؟!
لقد شهد السودان أولى خطواته في التنمية بعد الاستقلال. وأرسى عبود بنى تحتية راسخة وتنمية مشهودة وازدهار لاقتصاد جعله من الدول المانحة في ذاك الزمان!.
نعم أصبح السودان من الدول المانحة خلال فترة حكم العسكر لقيادة الفريق ابراهيم عبود، ولكم أن تقرأوا عن ذلك!
وهذه بعض انجازات العسكر في عهد عبود:
1- انشاء خزان الرصيرص
2- انشاء خزان خشم القربة
3- انشاء مصنع سكر الجنيد
4- انشاء مصنع سكر خشم القربة
5- انشاء مصنع سكر ملوط
6- انشاء مشروع المناقل بمساحة (800) ألف فدان
7- انشاء مشروع خشم القربة الزراعى بمساحة (400) ألف فدان
8- انشاء مشروعى الدالى والمزموم بمساحة (500) ألف فدان
9- تشييد كبرى شمبات وعمل أجنحة لكبرى النيل الابيض
10- مد خط السكة حديد الى واو فى جنوب السودان والى نيالا بدارفور
11- تشييد طريق الخرطوم حتى الحصاحيصا .. وأكمله جعفر النميرى الى بورتسودان
12- انشاء تلفزيون السودان
13- انشاء مصنع صك العملة
14- انشاء الخطوط البحرية السودانية
15- انشاء محطة كهرباء برى الحرارية وإنشاء كهرباء سنار
16- إنشاء صوامع الغلال فى بورتسودان والقضارف
17- إنشاء مصنع البان بابنوسة
18- إنشاء مصنع تعليب الخضر والفاكهة في كريمة
19- إنشاء مصنع التعليب بمدينة مريدى
20- إنشاء مصنع الكرتون بمدينة كسلا
21- إنشاء مصنع النسيج السودانى بحرى
وعندما أزيح الرئيس عبود عن السلطة في ثورة أكتوبر 1964م ترك البيت الحكومي وانتقل إلى بيته وعاش فيه إلى ان توفاه الله رحمه الله وغفر له ورضي عنه.
وللعلم، فإن عبود هو أول من وحد السودان ثقافيا شمالا وجنوبا، وذلك من خلال تعريب التعليم الأولي بينما ترك التعليم الثانوي باللغة الانجليزية، وسعى إلى ترقية أساليب التعليم وضمان جودته، وبجانب ذلك عمل على تحجيم سلطة الكنائس في الجنوب بعد ان دحر التمرد وكسر شوكته وأبطل خطط الانجليز بعيدة المدى المسماة بسياسة المناطق المقفولة.
وبسبب ذلك بالتحديد كانت نهاية عبود وبداية اكتوبر!
لقد سعى مجلس الكنائس العالمي إلى الكيد للفريق إبراهيم عبود وكانت لهذا المجلس بصماته في إسقاط حكم عبود، وتداعى الشيوعيون لذلك بشعارات ثورية وديمقراطية مستغلين دم القرشي رحمه الله الذي قتل برصاصة طائشة.
واستطاع الشيوعيون التأثير على الشارع من خلال واجهة اسموها جبهة الهيئات شبيهة بواجهتهم الحالية تجمع المهنيين، وحشدوا الهتافات الثورية الجوفاء، والأناشيد المحركة للعواطف، فلم يجد عبود إلا التنازل سلميا وتسليم السلطة، لتسود فوضى أكتوبر الذي جاء بدسائسه ومكائده الحزبية البغيضة.
وﻷول مرة تتصاعد اﻷزمة السودانية ويتم تدويل مشكلة الجنوب، فاليسار معهود عنه الاستقواء بالخارج كما فعلت حكومة قحت عندما أتت بفوكلر الحالي!
وتحت خباء الديمقراطية، مورس التسلط ووأد الحريات وقد كانت مصونة الى درجة مشهودة خلال فترة حكم العسكر من قبل ثورة أكتوبر، وتجرأ البعض على مقدسات الأمة، فتم حل الحزب الشيوعي من داخل البرلمان عندما تطاول شيوعي على شرف نبينا صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ولخص محمد احمد المحجوب رحمه الله خيبته كمثقف وسياسي في ديمقراطية اكتوبر ومابعدها في كتابه الفخيم (الديمقراطية في الميزان).
والحق يقال، بأن حكم عبود لم يخل من بعض السلبيات والسوءات، ومن ذلك استفحال مشكلة الجنوب، ثم قضية قسمة مياه نهر النيل مع مصر والتفريط في مدينة وادي حلفا وماجاورها من قرى عديدة بكرم حاتمي لم يجد من الطرف الآخر مقابلاً ينفع الوطن وأهلنا ولا تقدير!
لكن تبقى انجازات الرجل برغم قصر فترة حكم الجيش ماثلة للعيان تحكي عن حب حقيقي للوطن، ويشي المنحى الذي اتخذه عبود في تسليم السلطة بأنه لم يكن ديكتاتورا البتة كما وصفته اناشيد اكتوبر، وقد شهد الإعلام في كل مجالاته طفرة غير مسبوقة في عهده الزاهر من اذاعة وصحف ومجلات وتلفاز ومنتديات واركان نقاش وسواها.
ليتكم يا أبنائي تقرأون تأريخ السودان جيدا قبل الهتاف المنافي للحقيقة والمركس للوطن، واقرأوا أيضا عن تأريخ اليسار وسجل خيانات قياداته منذ الاستقلال إلى عمر قمر الدين.
اللهم هل بلغت فاشهد.
adilassoom@gmail.com