لندن ذات التيه .. مقاربات الإستطراد
زيارة البرهان وفرز الكيمان
سيف الدين البشير
وبيننا وبين لندن الكثير وقد هبطها كبير البلاد مواسياً في رحيل كبيرتهم أطول الملوك عمراً في التاج .. الرئيس قبيل رحيلها اعتبر كرري إبادة جماعية وطالب باعتذارهم وبالتعويضات ثم أتبع بالزيارة معزياً ، وذلك فرزٌ جيدٌ للكيمان “دا براهو ودا براهو” .
كانت كبيرتهم يومها هي فكتوريا من عاصرت الحدثين الأبرز ؛ مقتل غردون ومعركة كرري . وفكتوريا أرخت لسيادة بريطانيا على القارة العجوز عبر التصاهر وأصبحت جدة ملوك أوروبا .
أما حملة كتشنر استهدفت الثأر للضابط العظيم وتجريب المكسيم وإعادة السودان لأملاك الإمبراطورية وكان تشرشل شاهداً .. وأبو طراف النميري عارض ساخراً معلقة امرئ القيس والغرب تطحنه الحرب الكونية :
قفا نتساءل عن “أدولفٍ” و”شرشلِ”
بلندن ذات التيه ثم بروكسلِ
سيخبرك الألمان أن ضربوا بها
مطارات لم تصمد لمستر “ويفلِ”
نزولاً عليهم بالبراشيت فجأةً
كما انقض نسرٌ للفريسة من علِ
ومعلقة سيد الشعراء كانت إلهاماً حتى للشعر الساخر ، ونسب لشاعر مصري قوله :
سألت على شمروخ أستاذنا الولي
فقيل بأن الشيخ منزله خلي
وسار الى شبرا وحمل عفشه
على ظهر قردٍ ذي ثلاثة أرجل
فقلت لكلبي والحمار الذي معي
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وفي لندن اعتصر علماء السودان أنخاب النبوغ .. بروف عبد الله الطيب صادق هناك شكسبير وإليوت والكساندر بوب . واستوقف البروف بيت شعر من قصيدة الأخير :
The Rape of the Lock
يقرأ :
Transparent Forms, too fine for mortal Sight,
Their fluid Bodies half dissolv’d in Light.
ترجمه ببيت شعر عربي يقرأ :
شكولٌ من الشفاف ألطف أن تُرى
عوالقُ في الأجواءِ شبه ذوابُ
هتف دارسٌ : يا بروف أسهل لينا بي الإنجليزي ! ..
ومن لندن تخير البروف السيدة غريزالدا حليلةً .
لندن مثلت حائط ارتكاز للأطباء السودانيين وخرجت الأفذاذ من الإختصاصيين وفضل بعضهم العمل هناك ثم عاد بعض بحصيد وفير من العلم والتجريب .
وعلى يد البي بي سي تتلمذ المبدعون من الإعلاميين السودانيين ، ولقد أمها الأفذاذ من شاكلة محمد خير البدوي وابنته زينب ثم أيوب صديق .
ولندن تتسيد أوروبا عبر ملوك من أحفاد فكتوريا ، وعبر لغة مزاج من اللاتينية والألمانية والفرنسية واليونانية ، وهي اللغة الاولى في أمريكا واللغة الرسمية لكثير من البلدان .
البريطانيون ومليكهم الجديد ورئيسة وزرائهم يعلمون أن البرهان الذي زار معزياً لن يسقط سهواً الإبادة الجماعية في كرري ومطالب الاعتذار والتعويض .. هي معركةٌ حسمها المكسيم لا الرجال .
