إفتتاحية
هذا الحرد المتطاول بين الرايتين البيضاء والحمراء :
نحو فيصل الانتخابات وقرار الصناديق وإن طال السفر

الفكر الغردوني لن يقبل طوعاً بخيارات الأمة وفي وعيه أن ( المكسيم هو من حسم السجال . وفيما يستبعد صعود تلاميذه  عبر الإرادة الحرة ، يستعيض عن المكسيم ببدائل متجددة تخمد أنفاس الإرادة الحرة .

على رغم ما تبديه القلة الشيولبراية الماثلة من حرد تجاه فولكر ، فإن منتهيات القصة أن الطرفين يلتقيان استراتيجياً تجاه مستقبل السودان ، ذلك أن المناط به تنزيل الواقع الغربي على الأرض السودانية هو هذه الجماعة المنبتة عن القيم السودانية الحاكمة ، والمتمردة عليها منذ أطوار تشكلها الجنيني . ومن هنا فإن الطرفين يلهثان نحو معادلةٍ تبدو مستحيلةٍ لتجاوز الخيار الوطني نحو بديلٍ يكفل تسنمها مرةً أخرى ويعطل آلية الانتخابات.

وطوال الفترة من العام 2019  دانت لهم الساحة وتنفسوا الصعداء ، وانفرجت أسارير الغرب الداعم ، بيد أن هبة الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي هزمت الفرح الفطير وأرخت لعودة الروح عبر وعي الجيش وحساسيته تجاه انتقاص السيادة .. وعادة الجيش أن يتحرك لردع الغرباء من الهيمنة على شبرٍ من التراب ، ناهيك عن الخرطوم وقصرها المطل على النهر . وغضبة العسكر تعني الحسم وإن طال السفر ، وهي تنحاز لأبجديات الكرامة ، ولعمري كم من البدلات الخضراء معفرة بتراب الخنادق وأبخرة البارود يحتفظ بها من يبلغ رتبة الفريق لتذكره رفقاء السلاح من مضوا الى ربهم شهداء ! .. وهل يتغاضى مثله عن شرف الأمة ؟ ..

هبة الجيش هي من خلط الأوراق أمام الفريقين ، وأجل الى الأبد لغة المكسيم وبدائله الحديثة ، وعانى الفريق متحد الأهداف من الإرتباك بين أن يواصل حرصه على الراية الحمراء ليصادم الأمة عبر أقصى الصيغ التدميرية من شاكلة :

بيك يا مايو يا سيف الفدا المسلول ..

نشق اعدانا عرض وطول ..

 ، أم يرفع البيضاء ليستسلم لواقع بكائياته السوداوية كواحدة من أدبياته الموصولة بالاكتئاب والاعتزال وتعذيب الذات من شاكلة :

خليتا ليك السلطة أقدر صرفا ..

مع إني عارفك ما بتسير كل الدروب ما بتعرفا ..

لكني برضو مع الحقيقة العارفا ..

خليتا ليك ..

وهو يعلم أنه لم يتخلى عنها طوعاً بل هي الصناديق الفيصل حيث يمارس الناس الإرادة الحرة ، ويسدوا الدروب أمام شططه المفارق للقيم .

ولا تدل حمى السجال الذي هو أقرب للمعاتبة الرقيقة بين فولكر واليسار اللبرالي على اختلاف في الأهداف بأي حالٍ ، بل أنه توزيع الأدوار من حيث تشتط قحت عبر أدواتها المرعية كوسائل التواصل ، وبيانات الواجهات الورقية ، واستدامة الفوضى لتمنح فولكر المسوغ الموضوعي لنزع الشرعية عن الحكم الماثل أولاً ، ثم إعادتهم بالتدريج لسدة الفعل ، ويبدو ذلك عبر ضعف الحماس لدى الطرفين تجاه الانتخابات .

ولإتباع القول بالعمل إخماداً للفكر الغردوني وربائبه ، وتفعيل هبة الخامس والعشرين من أكتوبر ، يتوجب أن يشرع الحكم في العمليات المرتبطة بالانتخابات شاملةً خطط التعداد السكاني ، مضياً نحو عدد الدوائر الجغرافية ، ويعتمد كل ذلك على تشكيل لجان الخبراء المتجردين لوضع الأطر العلمية والعملية ، وذلك يمهد الطريق لأن تعلم قحت أن سيوفها خشبٌ وليس أمامها سوى خِلة الضفادع في البيات الشتوي الطويل حيث لا أنيس سوى أريكة القعدد ، والبكائيات الجارفة وأنين آلة العود من تمنح الحزن بعده الدرامي .