مقالات
انقلابات وثورات
معاذ طه يكتب
يكثر الحديث عن علاقة العسكر بالسياسة وتدخلهم في تغيير السلطة السياسية عن طريق الانقلابات العسكريه، وتبقي هذه الظاهرة عندنا قديمة متجدده، حتي ان تاريخ السودان السياسي بعد الاستقلال اصبح يدور في تلك الدائرة السياسية الخبيثة ، ديمقراطية- انقلاب- ثورة ، وهكذا دواليك وهلم جرا ، تكرار قمئ للاخطاء منذ الاستقلال دون أن نتعظ او نعتبر للاسف الشديد .
- قارة افريقيا مشهورة بالانقلابات العسكرية من دون قارات العالم، ويبقي السودان الاشهر فيها من بين بلدانها، ولو اضفنا المحاولات الانقلابيه الفاشلة الي تلك المحاولات التي نجحت في السودان، فانها ستدخله موسوعة( غينيس ) للارقام القياسية كاكثر بلد في الانقلابات العسكرية في العالم .
- السودان شهد ثلاث محاولات عسكرية ناجحة، حكمت البلاد لفترات متفاوتة بين ستة الي ثلاثون عام، ومن غرائب الصدف ان بينها قواسم مشتركة متشابهة تماما وهي انها كلها انقلبت علي حكومة ديمقراطيه، وانها كانت بدعم من احزاب سياسية، وكلها انتهت بثورة شعبية عارمة.
- اولي الانقلابات كان انقلاب الفريق عبود 1958 – 1964 ، انقلب علي الديمقراطية الاولي ، وكان بدعم من الحزبين الكبيرين الامة
والاتحادي ومشاركة عبد الله خليل، وانتهي بثورة اكتوبر 1964. - اعقبه انقلاب جعفر نميري ( مايو ) 1969 – 1985 ، انقلب علي الديمقراطية الثانية ، وكان من تدبير الحزب الشيوعي وكوادره من ضباط الجيش، وانتهي بثورة ابريل 1985.
- آخر الانقلابات انقلاب عمر البشير ( الانقاذ ) من تدبير الجبهة الاسلامية القومية وكوادرها ايضا في الجيش 1989 – 2019 ، انقلب علي حكومة الديمقراطية الثالثة ، وانتهي بثورة ابريل 2019 .
- قد يقول قائل وماذا عن انقلاب البرهان الاخير، ونقول ان انقلاب البرهان يختلف بعض الشئ لجهة ان البرهان اصلا هو راس الدوله وشريك في الحكم فكيف ينقلب الشخص علي نفسه مثلا ، بالاضافة ان البرهان ما انفك يردد انه لن ينفرد بالسلطة ، وانه في انتظار ان تتوافق القوي السياسية والوصول للانتخابات ليسلم السلطة بعدها لحكومة منتخبة ويختفي بعدها من المشهد السياسي نهائيا ، صحيح ان البرهان انقلب علي شركائه في الحكومة الانتقالية، ولكن القوي المدنية في ذاتها انقسمت في تعريف الانقلاب عطفا علي الانقسامات الموجودة بينها اصلا وادت للانقلاب كما يظن البعض ، لذلك نجد المؤيدون له يعتبرونه اجراءات تصحيحية ، اما الرافضون فيعتبرونه انقلاب صريح مكتمل الاركان، ومع ذلك يمكن اعتباره مجازا انقلاب داخلي ولكنه قطعا ليس من شاكلة الانقلابات السابقة عند مقارنته بها.
- العسكر في كل الحكومات الديمقراطية الحقة يفترض انهم لا علاقة لهم بالسياسة والحكم لا من قريب أو بعيد، وينحصر دورهم في المهام العسكرية، الجيش لحماية حدود البلاد وامنها من اي عدوان خارجي ، والشرطة والامن لحفظ الامن، تنفيذ القانون وحماية الحكم المدني، بل حتي الوزارات والوظائف العسكرية في بعض تلك البلدان يتولي ادارتها اشخاص مدنيون لا علاقة لهم بالعسكرية، وحدث عندنا هذا في السودان في حكومة الديمقراطية الثالثة عندما تولي مبارك الفاضل منصب وزير الداخلية آنذاك .
- ما نعرفه عن الانقلابات العسكرية عادة انها تكون بسبب طمع وشهوة جنرالات الجيش للسلطة والحكم، ولكن ما يستغرب له عندنا في السودان ان الانقلابات الناجحة كلها كانت بايعاز ودعم من احزابنا السياسية للاسف الشديد.
- كيف لحزب سياسي – اي حزب – يرفع شعار الديمقراطية ان يستدعي ويستميل كوادره في الجيش للانقلاب علي السلطة الشرعية، ليحكم هو دونما تفويض شعبي من الاغلبية ، ولكن هذا بالطبع يقودنا الي الحديث عن مشكلة الديمقراطيه في الاحزاب نفسها، فكل احزابنا تفتقر الي الديمقراطية في داخلها ولا يوجد حراك في القواعد الي الاعلي ، ولا تغيير في قادتها الا بعد الرحيل وانقضاء الاجل ، وعليه يبقي المثل القائل ( فاقد الشئ لا يعطيه ) صحيح ومعبر هنا تماما.
- واخيرا فلتعلم الاحزاب – كل الاحزاب – ان عهد الانقلابات العسكرية قد ولي تماما، وانها اصبحت مرفوضة، ويتم محاربتها والتصدي لها اقليميا ودوليا، وأن الشعوب اصبحت واعية بعد ثورات الربيع العربي ولن ترضي بغير الحكم المدني الديمقراطي، اذن علي احزابنا ان ترتب اوضاعها الداخلية وتستنفر قواعدها لخوض غمار سباق الانتخابات ، لانه السبيل الوحيد المتاح امامها ، ان كانت فعلا تريد حكم السودان …