فرض عقوباتٍ على قوات الاحتياطي المركزي السودانية ؟! :القرار الأمريكي الهش وغير المبرر
فيما تعاني من العجز والفشل تجاه الأزمة الأوكرانية، لم تجد الولايات المتحدة سوى قوات الاحتياطي المركزي السودانية لفرض عقوبات وهمية في غضون البحث المستميت عن نصر زائف، ولحرصها على تزويد وسائل الإعلام العالمية ببقعة إثارةٍ جديدة.
كتب سيف الدين البشير
دون معنى وغير مبرر :
أعلنت الولايات المتحدة يوم الإثنين المنصرم عن ما أسمته عقوبات ضد قوات الاحتياطي المركزي ، وهي مجرد قسمٍ في قوات الشرطة الموحدة بالسودان ، والتي تتبع لوزارة الداخلية السودانية ، متهمة إياها باستخدام “القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين”. وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان لها أن القوات المذكورة قد كانت في طليعة رد الفعل العنيف للقوات الأمنية السودانية تجاه المظاهرات السلمية في العاصمة الخرطوم .
وباعتبارها قسماً من أقسام قوات الشرطة السودانية التابعة لوزارة الداخلية ، تؤدي قوات الاحتياطي المركزي مهامها على ضوء التوجيهات العامة للقوى الأمنية المكلفة بحماية التظاهرات السلمية ، دون اللجوء إلى القوة المفرطة . وباعتبارها قسماً داخل قوات الشرطة ، من الصعوبة بمكان الاعتقاد بجدية القرار الأمريكي بفرض العقوبات على وحدة ليس لديها علاقات مباشرة أو غير مباشرة أو تعاملات مع الأطراف الأجنبية . غني عن القول أن السودان لا يستورد احتياجات قوات الشرطة من الولايات المتحدة أو أي دولة غربية أخرى .
ورغم أن العقوبات الحالية هي الحدث الذي أثار هذا الجدل ، إلا أن المقالة الحالية تتجاوز الخطوة الأمريكية الأخيرة لتناول الأسباب الجذرية خلف العقوبات الامريكية المتتالية ضد السودان .
لقد أصبحت العقوبات الأمريكية جزءاً من تقاليد السياسة الخارجية تجاه السودان على مر الإدارات الأمريكية سواء الجمهوريين أو الديمقراطيين . وفي ظل ضعف تأثيراتها لم يعد السودانيون يحفلون بها كثيراً حتى في أسوأ صورها، وربما أن صبر السودانيين تمكن من تخفيف تأثيراتها في غالب الأحيان .
لقد لاحظت الولايات المتحدة منذ استقلال السودان حرصه على السيادة الوطنية عبر فاعليته بحركة عدم الانحياز ، وإدارة ظهره لكل من مجموعتي الكومونولث والفرانكفونية ، عبر مفاهيمه بأن شأن السيادة ليس محل مساومة ، في حين أن معايير الدولة العظمى ونزعتها نحو الهيمنة تحتم أن التمسك بالسيادة داخل القارة الأفريقية لا يجب أن يمضي دون عقاب . أما بالنسبة للسودانيين فإن العقوبات الأمريكية هي في الغالب محض روتين ممل .
العقوبات وأصحاب المصلحة :
بالنسبة للسياسي وعالم السياسة الأمريكي الأبرز وزير الخاجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر فإن شأن العقوبات الأمريكية هو محض تنافس بين أصحاب المصلحة على الساحة الداخلية وحسب ؛ ويتعين علي – لمصلحة هذا الجدل – أن أقتبس مما ورد بكتايه :
هل أمريكا بحاجة لسياسة خارجية ؟ ..
حول دور الكونغرس في العقوبات يقول :
وللأسف ، فإن السياسة الداخلية تقود السياسة الخارجية الأمريكية في الاتجاه المعاكس. ولا يقف الكونغرس عند تكتيكات السياسة الخارجية فحسب ، بل يسعى أيضًا إلى فرض مدونة لقواعد السلوك على الدول الأخرى من خلال عدد كبير من العقوبات ، حتى أن عشرات الدول تجد نفسها الآن تحت هذه العقوبات .
وحول دور البيت الأبيض يقول :
ولقد أذعنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لهذا الواقع ، جزئيًا كحل وسط للحصول على الموافقة على برامج أخرى ، وجزئيًا نظراً لأن السياسة الداخلية تصبح أكثر أهمية للبقاء السياسي من التعامل مع السياسة الخارجية في غياب خطر خارجي مباشر.
وحول دور جماعات الضغط يقول :
إن ما يطرحه الأجانب في نقد السياسات الخارجية الأمريكية ، على أنه سعي أمريكا المفرط للهيمنة ، هو في كثير من الأحيان استجابة لجماعات الضغط المحلية ، التي تكون في وضع يمكنها من تسليط الضوء على القضايا الرئيسية ، من خلال الوعد بالدعم أو التهديد بالانتقام في وقت الانتخابات ، وهي تدعم قضايا بعضها البعض لتأسيس مطالبهم الخاصة للمستقبل .
وحول دور وسائل الإعلام الأمريكية يقول :
وفي الوقت ذاته ، تعمل وسائل الإعلام الصاخبة المنتشرة في كل مكان على تحويل السياسة الخارجية إلى قسم فرعي للترفيه العام، وتتمخض المنافسة الشديدة عن هوسٍ بأزمة اللحظة ، والتي تُقدم عمومًا على أنها لعبة أخلاقية بين الخير والشر ذات نتيجة محددة ، ونادرًا ما تتناول القضايا من حيث تحديات التاريخ بعيدة المدى. وبمجرد أن تهدأ فورة الإثارة، تنتقل وسائل الإعلام إلى ضجة جديدة .
ازدواج المعايير :
منذ نشوء الولايات المتحدة تبنت قواتها الأمنية أسوا الممارسات تجاه أي شكلٍ من أشكال الإحتجاج . أما الأسوا من ذلك فهو العنصرية التي تصاحب التصدي للمظاهرات ، أو المحاولات لتجريم السود على وجه الخصوص من خلال العناصر المضادة للسود داخل الأجهزة الأمنية . ويقف القتل الأكثر بشاعة للأمريكي الأسود صاحب الستة وأربعين عاماً جورج فلويد بتأريخ 25 مايو بمدينة مينابولس ، كأوضح دليلٍ على ما ذكرنا. ونذكر أيضاً القمع الوحشي لحركة “حياة السود مهمة”:
وليس خافياً ما أوردته أمنستي انترناشيونال في تقريرها بتأريخ 4 أغسطس 2020 ، حيث سجلت 125 حالة عنف شرطي ضد المتظاهرين ولقد نقلت أمنستي عن إرنست كوفرسون ، مدير حملة “ضعوا حداً لعنف السلاح” التابعة لمنظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة قوله :
“تلاحظ الاستخدام غير الضروري والمفرط أحيانًا للقوة من قبل الشرطة ضد المتظاهرين ، كما ظهرت العنصرية المنهجية للغاية ، والإفلات من العقاب ضد الذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج. ويظهر البحث أن الأشخاص الذين كانوا ببساطة يمارسون حقهم الإنساني في الاحتجاج السلمي قد قوبلوا بالعنف حتى فقدوا الإبصار وعانوا من الضرب الوحشي ومن الإصابات البليغة “.
من خلال ما سبق يتضح أن الولايات المتحدة يجب أن تكون آخر من يتحدث عن العنف المفرط من قبل الشرطة ، ذلك أن سجلها في هذا المنحى لا يؤهلها لتقييم أداء الآخرين ،ناهيك عن تجريمهم .
وفي الحقيقة فإن العقوبات الأمريكية المتتالية على السودان تهدف لتشويه صورة البلاد ، وفي ذات الوقت إرباك علاقاتها الإقليمية والعالمية ، في مسعى لعرقلة تطلع البلاد لاستغلال مواردها الهائلة . وبالخواتيم فقد ارتد سلاح العقوبات على الدولة العظمى لتكتشف أنها في عزلة عالمية . وفي راهن الحال فحتى حلفائها الغربيين يتذمرون حول عقوبات أمريكا على الدول ، ويكفي رد فعلهم تجاه العقوبات على روسيا كمؤشرٍ على غياب النضج عن تلك القرارات .
.