كيف فات هذا على القاضي الموقر؟!
الدكتور/ عمر كابو
حزن عميق أدمى أفئدة أهل القانون وتجاوزهم إلى أهل السودان جميعًا بعد انتشار نبأ اجتماع قاضي البلاغ رقم (٢٠١٩/٤٤) الموسوم ببلاغ خلية الأمن الشعبي بلاغ كله كيد وإفك وضلال نسجته بتفاهة وقذارة أيدي اليساريين بواجهتهم الشريرة لجنة التمكين الفاسدة المفسدة التي كانت سببًا مباشرًا في الوصول إلى حالة الاحتقان السياسي هذه والقضاء على نزاهة وهيبة وجلال واحترام مؤسساتنا العدلية يوم استباحت حرمتها وأعملت فيها سيف الفصل والتشريد لسادتنا القضاة ووكلاء النيابة والمستشارين أفضل الخبرات وأعظم الرجال من يومها كنا ولازلنا نشهد يوميًّا فصلا من فصول هتك القانون و الدعس عليه داخل المحاكم وأمام بعض القضاة الذين أضحى همهم الأول المحافظة على وظيفتهم من خلال إرضاء هذه اللجنة الفاسدة حتى ولو كان ذلك على حساب سيادة القانون ودولة العدل..
حزن عميق رأيناه البارحة والرأي العام يتداول بكثافة كبيرة خبرًا مفاده أن هيئة الدفاع كانت قد تقدمت بطلب لقاضي المحكمة تطالبه بالتنحي بعد أن شوهد يجتمع في قاعته ومن منصته برئيس هيئة الاتهام والمتحري في البلاغ إياه بقاعته الخاصة في الطابق الأول قبل بدء الجلسة٠
سارع القاضي من غير أن يتلجلج في قبول الطلب حيث لم يعترض على السبب ذاك مما شكل اعترافًا ضمنيًّا منه بما اقترفه من تجاوز.
من المهم التأكيد على أن التنظيم القضائي يرتكز على جملة مباديء جوهرية: مبدأ سيادة القضاء ومبدأ استقلال القضاء ومبدأ حيادية القضاء ومبدأ المساواة أمام القضاء وهو مايعنينا في هذا المقال لما له من صلة وثيقة بما بدر من القاضي باهداره وانتهاكه لهذا المبدأ٠٠ وأول ما نبدأ به هو الإشارة الهامة إلى أن الشريعة الإسلامية كانت سابقة لكل المواثيق الدولية والعهود في التأصيل لأهمية هذا المبدأ والحث عليه فليس للقاضي غير أن يبادر إلى التسوية بين الخصوم في كل شيء حتى في المقعد والإشارة واللحظ ففي الأثر النبوي الشريف:- ((من ابتلي بالقضاء بين الناس فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر))؛ ومن ذاك أن سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب كان قد أوصى في رسالته الذهبية إلى أبي موسى الأشعري بأن ((آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لايطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك)) ذاك ما أرسته وأكدته وسارت عليه المواثيق الدولية حيث قررت المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المساواة أمام القانون٠
ومن المهم جدًّا التذكير بأن القضاء السوداني ظل نموذجًا يحتذى به في تطبيقه لهذا المبدأ وترسيخه لمعانيه ودعائمه فالسوابق القضائية توالت تترى مؤكدة على هذا المبدأ معلية من شأنه حتى أضحى أحد أهم مفترضات المحاكمة العادلة حيث لا ينبغي لقاضٍ أن يميز بين خصومه فالكل سواء في مجلسه..
من أجل ذلك جاءت ردة الفعل عنيفة صادمة ضد القاضي وهو يجلس للنيابة الخصم الشريف في الدعوى الجنائية والمتحري وهو أول من أوصى بإدانة المتهم وعلى ذلك فلن يكون بوسعه أن ينحاز لصفه وليس من المتصور أن يكون غير ذلك لطبيعة الأشياء٠فمهنته جعلته داعمًا أساسيًّا لقضية الاتهام بلا انحياز أو سوء نية في الوضع الطبيعي أما وقد جلس للقاضي بهذه الجلسة وفي بلاغ أضحى قضية رأي عام فلا يمكننا أن نحمل الأمر غير ماذهب إليه الرأي العام الذي رفض هذه الجلسة وقال فيها ماقال..
لقد درج القضاء السوداني على ألا يضع نفسه موضع الشبهة منعًا للتشويش والقيل والقال على نحو ما فعل هذا القاضي ووكيل النيابة والمتحري بحسبان أن النيابة هنا تمثل أحد طرفي الخصومة في بلاغ هي تختصم فيه نيابة عن المجتمع ولا ينفعها اتخاذ الوظيفة العامة ذريعة تدفع بها مسؤوليتها عن هذا الخطأ الجسيم الذي لا يقع فيه مبتديء لا يدرك أبجديات القانون وبدهياته..
عزيزي القاريء بقي عليك أن تعلم أن هؤلاء المعتقلين في هذا البلاغ مضى على حبسهم أكثر من ثلاث سنوات طوال قضوها في بلاغ كيدي لا تتوفر فيه بينة مبدئية معقولة قضوها دون ذنب جنوه سوى أنهم شرفاء أصلاء أرادت لجنة التمكين النيل منهم٠رجال فيهم من خدم المؤسسة العسكرية بشرف وطهر ونزاهة مكنته من أن يترقى فيها حتى وصل إلى مرتبة الفريق كانوا خلالها مثالًا للهمة والإخلاص والصدق والمهنية وحب الوطن وعلى رأس هؤلاء المتهمين يقف في شموخ وعزة وكبرياء وأنفة الفريق علي سالم والفريق مصطفى محمد مصطفى واللواء صالح يس٠
ويحاكم في هذا البلاغ أيضا رجال فضلاء أنقياء أطهار في نزاهة ووطنية وهمة والتزام كمال عبداللطيف والفارس البطل عوض الحاج أقوى الرجال عزيمة وأخلصهم صدقًا وأفرسهم في النائبات.
إن هذا البلاغ سنتابع إجراءاته فكفى به إثمًا أن تتطاول مدة حبس المتهمين فيه أكثر من ثلاثة أعوام دون أن يفصل فيه٠
إثم مما يقال عنده (إنا لله وإنا إليه راجعون)٠