لا اخلاق بلا تدين
محمد المجذوب
بإمكاننا تجديد معنى الأخلاق في الإسلام؛ باعتبارها ذلك المعنى الشامل للمعنى الإنساني الباحث عن الحياة الطيبة بالبحث في معني الايمان بالله والفعل الإنساني الصالح، كون أن الأخلاق تنظم الحياة الإنسانية من الناحية العملية من أجل الحياة الخيرة مع الغير، أيا كان هذا الغير إنساناً أم حيواناً أو جماداً من حيث ما ينبغي أن يكون عليه الفعل الإنساني كفعل أخلاقي تجاه الغير، وذلك بناء على مكانته في الكون ومسئولياته التي يجب أن ينهض بها، وبناء على ما وضع له خالقه من مقاصد في هذه الحياة. فيكون معنى الأخلاق في الإسلام، معنى بالجانب النظري جنباً الى جنب بعنايته على بالجانب العملي، بعبرة أن معنى الأخلاق يدور حول المعاني الأخلاقية العملية كالدين والمروءة ويستحق من اتصف بها الذم والعكس صحيح، بآية أن الدين في جوهره دعوة للناس للتعرف على قيم الصدق والأمانة والوفاء بالعهود ونحو ذلك من الأخلاق الكريمة، كما جاءت الشرائع داعية الى المعروف من الأخلاق ناهية عن فعل المنكر منها، كون أن أخلاق الكذب والغش والخيانة من الأخلاق الذميمة.
في الواقع إننا وحتى ندافع عن منشاء الأخلاق كأخلاق الكرامة والحرية والعدل والصبر والبر والوفاء والمساواة بين الناس … الخ، فان المصدر المنشئ للأوامر والوصايا والتعاليم الأخلاقية ولهكذا قيم أو نحوها، فانه يجب أن يكون مرجعاً خارجاً عن وضع الإنسان، أي معنى مستمد من معني الايمان بالله وأوامره الأخلاقية المنزلة، كونه بهذا المعني مغزي ثابت لحياة الإنسان الأخلاقية ومسيرته الاستخلافية والحضارية، إذ لا إمكانية لتأسيس الأخلاق بدون الايمان بمصدر متعال تنشده الأفعال الإنسانية وتستمد منه مثلها العليا، ولا معني متعال تستطيع أن تستوعبه الجماعة الإنسانية على امتداد حركتها سوى متعالية “الإيمان” بالحقّ سبحانه، ولا ارتباط بالمتعال الحق بدون تعبير عملي يعبر عن هذا الارتباط التوحيدي، يؤكده ويرسخه باستمرار، وهذا التعبير الواقعي اليومي هو المعني الحقيقي لمعاني الأخلاق وبالمصطلح القرآني العمل الصالح كما، سيأتي، كونه يزكي في الإنسان حالة التقوى كحاجة إنسانية متجددة كونها الموقف المعنوي الواعي والحركي نحو بناء نوايا ودافعية الحياة الإنسانية الطيبة، فهو يربط ويوحد بين معنى الإيمان بالله سبحانه كضامن للمعنى الإنساني وبين موضوعات وقضايا الاعمال الإنسانية في الحياة اليومية من منظور توحيدي لا يفصل بينهما.
ان صوابية مصدر ومنشأ الأخلاق في نظرية الأخلاق في الإسلام، ينهض بالبرهان على كون مصدر الأمر الأخلاقي صادر عن طرف متعال معتبر في الحق إزاء الجميع، بعبرة أن هذا الطرف المتعال لديه من الصفات التي أوجبت كون أمره الأخلاقي فقط هو المعتبر بصفات الاطلاق والتعالي والكلية والخلود، ولا يكون هذا الطرف بهكذا صفات الا اذا كان هو الله سبحانه تعالى، فالله تعالى هو مالك الجميع ولا أحد أعلى منه في الوجود له لياقة الأمر والنهي بحق الآخرين، وبناءً عليه فإن أوامر الله سبحانه هي المعتبرة فقط وهي معتبرة في حق الجميع، وهي النظرية التي نسميها بالنظرية الأخلاق الدينية المتعالية، ومفادها إن منشأ الأخلاق واللزوميات الأخلاقية هو تعاليم الله ووصاياه، أما ما وراء أمره ونهيه، فلا يمكن إيجاد أي واقعية عينية في أفعالنا وصفاتنا تكون مبنى لتعاليم الأخلاق ووصاياها وشرائعها … الخ، وهو الاعتبار الذي يرجع إلى أن معنى الإيمان بالغيب وفقاً للهدى الإلهي، يعتبر الأساس المفسر للمعرفة والأخلاق والمعطي لمعني الأخلاق ومعناها،