مقالات

من تضخيم المظاهرات وحتى وضع أخبار الرئاسة في ذيل النشرة : القومي ليس قناة خاصة لكنه لسان الحكم

المسار نيوز من تضخيم المظاهرات وحتى وضع أخبار الرئاسة في ذيل النشرة : القومي ليس قناة خاصة لكنه لسان الحكم

بقلم العميد الطاهر ابو هاجة

المادة الإعلامية التي تبثها القناة الرسمية للدولة (تلفزيون السودان) هي بلا شك محل إهتمام ومتابعة من كل الجمهور السوداني ، ومن الرأي العام العالمي . لذلك من الضروري أن تكون هذه المادة قائمة على  المبادئ العامة لاستراتيجية الدولة الإعلامية ، المرسومة علي  ثوابت متفق عليها بين كل السودانيين ، وبحيث لا تكون رهينة بتبدل مدراء  المؤسسات الإعلامية الحكومية ..
غني عن القول أن الخطوط الحمراء في الدول ذات السيادة  ليست خطوطاً كنتوريه  وهمية أخترعتها وفرضتها تعليمات عسكرية ، وإنما هي خطوط حقيقة نابعة من وجدان الشعوب التي تحترم الاوطان وتمنح المؤسسات العسكرية مستحقها من التقدير ، كما هو حال الشعب السوداني تجاه بلاده ومؤسسته العسكرية .
إن من الطبيعي غير المستغرب أن  يكون المدنيون من أبناء السودان أكثر حرصاً من العسكريين على سيادة الدولة وهيبتها ، وذلك يفسر غضبهم ،  وهم يشاهدون قناتهم القومية تتجاهل أخبار القوات المسلحة ، أو أن تستغرق في تقديم المؤسسات العسكرية وقادتها بصورة غير ملائمة وغير مقبولة ، ومثل ذلك أن تبث أخبار القائد العام للقوات المسلحة في ذيل النشرة الرئيسة ، رغم كونه رئيس البلاد ورمز سيادتها ، ورغم أن القناة هي القناة الرسمية المملوكة  لحكومة السودان….
ولقد ظلت حجتهم بأن الأولوية تعتمد أهمية الخبر بحيث يمكن أن يرد سابقاً لأخبار رئاسة المجلس السيادي ! .. وكم هو غريب أن تكون هناك أهمية تتجاوز رأس الدولة وتضعه في ذيل الأخبار ..
ومثل هذه التراتبية والفرز في الأخبار  تصح فقط في حال أن الوسيلة الإعلامية التي تبث الخبر وسيلة خاصة . أما وأن تلفزيون السودان وسيلة حكومية تخضع لبرتوكل الدول بحفظ المقامات القيادية فإن الأمر يظل غير قابل للتبرير .
المفارقة أنه وحتى القنوات الخاصة تضع إعتباراً وتهتم بالبروتوكول ، ووضعية المناصب السيادية والتنفيذية في الدولة أكثر من القناة الرسمية أحياناً ، هذا فضلاً عن تضخيم المظاهرات وتوجيه القناة الرسمية لدولة لتسبح عكس التيار والواقع….
الشواهد لا تحصى على ما ذكرنا وأبلغها أن لا يولي التلفزيون القومي اهتماماً لتحرير الفشقة ، ولا تحرك فيه ساكناً زيارات القيادة العسكرية لها ، وبالمقابل تسخير القناة الرسمية  واستخدامها وإستغلالها  لتعمل ضد الدولة وضد الحكم وضد رأس الدولة بصورة واضحة .. وتلك – لعمر أبيك – أمور يرفضها دون شك كل وطني غيور ..
أروني في أي دولة يحدث هذا؟!؟
انظروا إلى كل دول  الجوار بل انظروا لتاريخ  اعتى الديمقراطيات واعتى الديكتاتوريات فهل ستجدون مثل هذا؟!
هل يحدث ذلك في بريطانيا أو النمسا أو ألمانيا أو أمريكا أو روسيا ؟ ،  وبينكم الآن الحرب الروسية الأوكرانية وكيف يتم توظيف الآلة  الإعلامية الوطنية في خدمة أهداف الدولة العليا !…
الخطوط الحمراء ليست وهمية وإنما هي موجودة في كل العالم ، لكل ذلك سوف تشهد الفترة القادمة تفعيل ميثاق الشرف الصحفي ، وتفعيل القوانين واللوائح التي تحكم عمل كل  القنوات الإعلامية وغيرها ، ولن يكون الأمر موجهاُ للحد من الحريات ، وإنما للحد من الفهم الخاطئ للحريات وجرائم النشر، ولابد أن يكون هذا الأمر أمراً جلياً واضحاً…
لقد كانت تجربة قحت الأولى خارج المألوف والمتعارف عليه ، حيث أتت بما لم يأت به الأوائل، لكن تلك أمة خلت لها ما كسبت ولا نسأل عن ما كانوا يعملون …
سيتم بإذن الله تطوير  القنوات الإعلامية القومية حتى تغري المتلقين بالمتابعة بما تقدم من برامج جذابة تتصف بالمهنية العالية والوطنية  التلاحميه ، وعملها المخلص من أجل تماسك الجبهة الداخلية ، وعملها الدوؤب على سد الذرائع ،  والإهتمام بالمشروعات التنموية الكبرى ، ومعالجة قضايا الإقتصاد ، والتوافق الوطني ، و التنمية ، والطفل ، والمرأة ، والمشروعات الزراعية الرائدة  ، والاهتمام من قبل ومن بعد بالأمن القومي ، لأن التفريط فيه إنما هو هلاك للعباد والبلاد ، وغير ذلك من البرامج  التي تبعث الأمل وتشحذ الهمم وتخرج السودان من أزمته الحالية
إن تصحيح ثنائية مدنيين وعسكريين بحاجة لهمة وإخلاص اعلامي يبين للجمهور أن الجيش خرج من رحم الشعب والشعب هو السند الحقيقي لموسسته العسكرية…
فلا مدنية يمكن أن تتطور و تنمو دونما جيش قوي بمعنويات عالية ، وثقه في القيادة ، واحساس حقيقي بوجود الشعب في ظهره معضدا وداعما…
المطلوب من التلفزيون القومي دور كبير لابد أن نتكاتف جميعا حتى يبلغه ..
ومن المهم فتح أبواب الحوار الإعلامي ، وتفعيل الورش العلمية للخروج برؤي وفهم جديد نحو وطن عامر بالحرية ، تواقٌ  للديمقراطية دونما إفراط أو تفريط ، وذلك النهج الذي يعبد الطريق نحو تحول ديمقراطي حقيقي يجمع ولايفرق ، يبني ولايهدمو، يبعث الأمل ويمسح الإحباط…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى