الشيطان يتظلم !
حسن الدنقلاوي
تعرض شيطان اسمه (أزالة تمكين) يوماً لقحاطي جاهل ٠
فقال له:
لماذا لا تتعلم السياسية، فتنشر سيرة المدنية والحرية والديمقراطية، وتنشر في الناس دولة العدالة وتعلمهم الحلال والحرام، وتفتيهم في شؤون ثورةديسمبر ؟
قال القحاطي: اغرب عليك لعنة التتريس! أتظن أني أخدع بك! لو كان من طبيعتك النصح واقمة العدالة لما كنت شيطاناً، إنما تريد بدعوتي للعدالة أن أنصرف عن ذكر الهتافات! لا أفعل!
قال الشيطان: فهل لك في كلمة حق عند شاب حائر فيكون لك أجر المخربين؟
قال القحاطي: اخسأ عليك غضب الثوار! أتريد أن تعرِّضني لعدوات الثوار فأبعد من الاجتماعات والمسيراتوألتخريب واحارب فاحرم من القعدات؟.
قال الشيطان: إمَّا لا هذه ولا تلك، فلماذا لا تجمع المال لتحفظ به كرامتك، وتدَّخره لثائر محتاج، أو منقطع، أو صابها جائع او تبنى بها عمارة، أو شر تسهم فيه؟
قال القحاطي متلمِّظاً: أما هذه فنعم، قاتلك الله! فأين أجد المال؟.
قال الشيطان: ما رأيت والله أحمق منك! ألا ترى إلى مؤيدك، تحفظ لهم قعداتهم أفلا يحفظون لك دنياك؟
وتعمر لهم رؤوسهم أفلا يعمرون لك جيبك؟ وتحيي لهم أرواحهم أفلا يحيون لك بيتك؟
ومدّ القحاطي الجاهل يده إلى جيوب مؤيديه فأفرغها في جيبه،
وكانت من الكثرة بحيث تفيض عن حاجة يومه وغده وكان من الكذب في قيادته بحيث لا يفكر في إنفاقها في سبيل الثورة، فحار ماذا يصنع بها،
فاستشار الشيطان فقال له: إنك إن أبقيت المال في خزانتك لم تأمن عليه من
لص ينتهبه، أو جائحة تذهب به، أو لجنة مراجعة تصادرها فأين أنت من شراء الأراضي والمزارع؟
فقال القحاطي : قاتلك الله لقد نصحتني. واقتنى الضياع واحدة بعد الأخرى.
تزايد المال
ولكن أمره انكشف بين الناس، وماله المجموع من السحت والنصب باسم العدالةو الاحتيال في أخذ اموال الناس باسم القانون ما زال يتزايد يوماً بعد يوم،
فلجأ إلى صديقه الشيطان يستشيره، فقال له: وأين أنت من شراء السيارات، وبناء الدور، وعمارة القصور؟
قال القحاطي: ولكني أخشى أن أفتضح أيضاً.
قال الشيطان: لا أصلحك قانونالتمكين! أتعجز عن تسجيلها باسم زوجتك وأولادك وهم كثيرون؟.
وفعل القحاطي ذلك، غير أن المال ما زال يتدفق على جيب القحاطي وأخذ يفتش عن أستاذه الشيطان ليستشيره فيما يفعل.
ولكن أستاذه كان قد غاظه من تلميذه مزاحمته له في مهنة الخداع ووسوسة الشر باسمالحريةوالمدنية والعدالة،
فقرر الدعوة إلى مؤتمر غير عادي للشياطين ليرفع إليهم أمر هذا التلميذ المزاحم.
وانعقد المؤتمر برئاسة إبليس، ووقف الشيطان يشرح قصته ويقول:
لقد كان المدعى عليه إنساناً جاهلاً فمسخته ببراعتي وكيدي إلى شيطان ذكي،
وكنت أنتظر منه أن يعرف لي فضلي فلا يزاحمني في (منطقتي)
ولكنه أخذ يزاحمني مزاحمة خشيت منها على زبائني من التحول جميعهم إليه،
فقد أخذ يسلك لإغوائهم من الطرق ما لا أعرف، فاجتذب من الزبائن ما لم أكن أطمع في تعاملهم معي.
لقد كنت أغوي الناس بالخمرة والمرأة واللذة والقمار والثروة وغير ذلك، فلم يستمع إليَّ من بغِّضت إليه هذه اللذائذ كلها،
أما هذا القحاطي العاق فقد أخذ يخدع الناس باسم العدالة والحرية والمدنية حتى أغواهم وأوقعهم في الجهل والخرافة ومحاربة الدين وعلمائه..
وأنتم تعلمون يا حضرات الزملاء أن ميزة زبائننا، الغفلة مع شيء من الذكاء!..
فما يكاد الواحد منهم يتعامل معنا قليلاً حتى يهديه ذكاؤه إلى خبثنا وسوء طريقتنا فيتركنا..
أما هذا التلميذ المخادع فقد استطاع أن يخبل عقول زبائنه بالترَّهات والخرافات ليتمكن بذلك من استثمارهم فترة أطول مما نستثمر بها زبائننا.
فأنا أسألكم باسم حرمة المهنة, وبحق غضب الله علينا أن تفصلوا في أمره بما توحي به ضمائركم النجسة!.
ونهض القحاطي التلميذ ليدافع عن نفسه فقال:
يا حضرات الزملاء الملعونين!.. إني وغضب الله عليَّ وعليكم ما خنت هذه المهنة بعد أن شرّفني رئيسنا إبليس بالدخول إلى (حظيرة دنسه)
وما تنكرت يوماً لفضل أستاذي (لجنة التمكين) عليَّ،
ولكني وجدته بعد التجربة قليل الحيلة ضعيف الذكاء،
وتعلمون أن أحدنا كلما كان أبرع في اقتناص الفريسة والفرصة كان أقرب إلى نفس رئيسنا إبليس أخزانا الله وإياه،
ولقد استطعت بوسائل الخداع التي أُلْهِمْتُهَا من (حظيرة الدنس) أن أجتذب من الزبائن في محيط أستاذي في سنوات، ما لم يستطع أن يجتذبه في مئات السنين.
إننا حضرات الزملاء الملعونين..
في عصر استيقظت فيه روح الثورة والهداية في نفوس الناس،
فيجب أن نطوِّر وسائل الضلال والغواية بما يتفق مع هذا التطوُّر الخطير،
وإذا ظللنا على أساليبنا القديمة فسيخسر رئيسنا إبليس أخزانا الله وإياه عرشه ومملكته.
ولا يخفى عليكم أن وسيلتي التي أتَّبعها نفرت كثيراً من الثورة والوطنية بما ألصقته به من خرافات وأباطيل،
وما اتبعته مع الناس من كذب واحتيال وتدجيل،
وكان من نتيجة ذلك أن تشكّك كثير من الناس بحقائق انحياز رجال القوات المسلحة الصافية ودعواتهم الصادقة لتصحيح مسار الثورة وقادة الثورة المخلصين،
مما جعلهم مهيّئين ليكونوا من فرائس أستاذي وزبائنه.
كما أن هؤلاء جعلوا يصبّون اللعنات عليّ بدلاً من أستاذي كما كان الأمر من قبل.
ومن هنا ترون يا حضرات الزملاء الملعونين.. أنني أستحق شكر أستاذي لو كان مخلصاً لمهنته،
لكن أنانيته وطمعه واستئثاره جعلته يستعديكم عليَّ،
وأخشى أن يكون أستاذي قد أصابته عدوى الهداية فقلَّت فيه روح الشيطنة وخبثها..
فلم يعد يصلح للمهنة، أما أنا فأظل أخاكم المخلص وزميلكم النجيب!.
حكم شيطاني
وهنا تداول المؤتمرون القضية من جميع نواحيها، ثم أعلن إبليس قرار المؤتمر الصحفي التالي:
لما كان الثابت من وقائع الدعوى وباعتراف المدعي (لجنةالتمكين) بأن المدّعى عليه قد أصبح بارعاً في مهنة الشيطنة خبيراً بأساليب الضلالة والإغواء.
ولما كان الثابت من وقائع الدعوى وباعتراف المدعي أيضاً أن زبائننا قد تضاعفوا بفضل المدعى عليه أضعافاً مضاعفة عما كانوا عليه في عهد المدعي.
ولما كانت المادة الأولى من دستورنا وهي التي تقول: “كل من استطاع الإغواء والإضلال يعتبر شيطاناً” تنطبق على المدعى عليه تماماً.
ولما كانت المادة الخامسة من هذا الدستور قد نصَّت على الشروط المطلوبة من التلميذ لمنحه لقب “أستاذ”.
ولما كانت روح الشر المتأصلة فينا تقتضينا أن نعمل جاهدين لنشر الضلالة والفساد بين بني الإنسان وأن نفرح لذلك ونشجع عليه.
ولما كان من الثابت أن المدَّعى عليه قد استطاع بفضل وسائله المبتكرة المتطورة أن يزيد في عدد ضحايانا وأن ينشر نفوذنا انتشاراً واسعاً.
لهذا كله قرر المؤتمر منح لقب “أستاذ” للمدعى عليه، وتكريس أستاذيَّته في محفل الشيطان الأعظم، ونقش اسمه في عداد شياطين الإنس الخالدين..
حكماً وجاهياً قابلاً للاستئناف..
رئيس المؤتمر: إبليس ٠٠