إفتتاحية
“الإطاري” بين دعوة الجيش للكلمة السواء وشقوته بالعصبية الحزبية :
الإطار لا يعدو كونه سوراً لتفاصيل هي الأهم
تكاتف اللغط حول الاتفاق الاطاري المزمع توقيعه في مقبل الايام ، بين بيان يؤكد توقيعه يوم غد الاثنين ، وتسريبات تقول أن ثم تأجيلاً تم للمزيد من المشاورات . في غضون ذلك جاءت ردود الفعل مشتطة بين مؤيد يرى في ذلك المشروع مخرجاً للبلاد من حالة السيولة السياسية الماثلة ، ومن يجزم بأن الإتفاق هو إعادة الوضع لما كان عليه قبل الخامس والعشرين من اكتوبر المقبل ، وحمل قحت نحو سدة الحكم رغم إخفاق السنوات الثلاث الماحقة التي عاثوا خلالها فساداً قل نظيره في تأريخ السودان الحديث .
ومن خلال ذلك التجاذب قد يبدو للمراقب أن الطرفين من يقبل بالاطاري ومن يرفضه على طرف نقيض ، وأن لا تلاقٍ بينهما . صحيح أننا في السودان نعاني من تعجلٍ ظل يعصف في كل مرة بإمكانية وضع البلاد على المسار المنشود ، وهو تعجل يشهد به الاحساس السائد بالحسرة على تجاذباتنا واختلافاتنا عقب كل حقبة سياسية وما يردده العوام : “يا حليل فلان .. ويا حليل علان” كتعبير عن الحسرة على الفرص المتاحة للتلاقي التي فقدناها لنفاذ صبرنا الشحيح . وما نزال على هذا المنوال حتى يومنا هذا .
الحقيقة التي لا مراء فيها أن الجيش الذي يمسك آنياً بزمام الأمور يملك من الروية والحرص والصبر على اختلافاتنا أكثر مما نملك .. وهو بحسه وقسمه والتزاماته الأخلاقية والوطنية أدرى منا بالمخاطر المحدقة والفرص المتاحة .. وهو ظل يعاني من خلافات الكيانات السياسية منذ نجاح الثورة ، ويبلغ مرحلة اللعب بالبيضة والحجر حتى لا تنحدر البلاد لأحوال دول ضاعت وضيعت إنسانها .
ولقد انتبه الجيش بقيادة الفريق البرهان أن مجاراة تعجلنا باتخاذ قرارات فطيرة هو المدخل للهلاك الذي لا يبقي ولا يذر ، حتى أخذ عليه البعض صبره ، واعتبره البعض تهاوناً ، بيد أنه هو الروية نحو المزيد من التمحيص فيما ينفع ، وظل يتحمل أوزار الكتل السياسية واختلافاتها فيما ظل لسان حال أي منها : “أنا أو الطوفان” ، ما يناقض أدنى مقومات التوافق الوطني المفضي لاستدامة الاستقرار .. صبر الجيش فيما ظل المجتمعين الدولي والاقليمي يترقبان بمزيج من الشفقة ومزيد من الأجندة نحو وطن يضعضعه أبناؤه حتى لا يبقى فيه سوى طريدة تتصيدها الضواري .
ولولا الوعي الكامل للقوات المسلحة ، وقياداتها ذات الدربة والأهلية لسقطت الطريدة مثخنة بجراح أبنائها .
وفي غضون التجاذب الماثل حول الإطاري يسقط الجميع من يؤيده ومن يعارضه أن مفردة الإطار تعبر عن خطوط عريضة لا تحمل سوى السياج ، وأن الأهم من الإطار هو الصور والتفاصيل التي يسورها ذلك الإطار . يتناسى هؤلاء أن تصريحات رئيس المجلس السيادي منذ هبة أكتوبر ظلت تدعو للوفاق الشامل ، وأن ما يقال حتى الآن أن ثم مشروعاً سيوضع أمام الجميع ليخضع للجرح والتعديل حتى ينال المقبولية اللازمة لنفاذه .
ويظل الجيش هو الضامن لتقليم أظافر الشطط بين الفرقاء ، وهو المؤسسة القومية الوحيدة المؤتمنة على وحدة البلاد حتى لا يعصف بها التعصب الحزبي الأعمى ، وتظل الدعوة لكل الكيانات السياسية أن أمل البلاد في الخروج الآمن هو مبدأ القبول بالآخر ، بحيث ليس من كيان حزبي من حقه أو بمقدوره نفي الآخر خارج البلاد .