شتان بين نافخ الكير وظريف المدينة

كان كثير التجوال كهرولة منوال لا يسأل الناس إلحافا تحسبه من أثرياء المدينة من التعفف يمشي علي تمهل تعلوه بسمة عريضة تبدو علي شفتيه حتي أصبحت ماركة حصرية مسجلة عليه يلبس من الثياب يوما ناصع بياضها ويوم آخر في جبة درويش سلطان العشاق فمنهم من يطلق عليه ظريف المدينة ومنهم من ينعته بالمبروك ومنهم من يجزم بصلاحه ، لا يتفوه ببذئ قول ولا ينطق إلا حكمة ، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، إذا مررت بالقرب منه تسمع أزيز صدره وهمهمات تصدر منه وهمسا لا تدرك كنه ، وإن استرقت السمع تسمع بعض آيات الذكر الحكيم ، أو صلاة علي علم الهدي ، يمشي علي الأرض هونا واذا خاطبه الجاهون قال سلاما وأحيانا وبصوت جهور يردد فانية فانية ، لا يكترث لقيل وقال ولم يتعود علي كثرة السؤال ويعطي الشارع حقه ومستحقه وأحيانا يميط عن الشوارع الأذي دون دعوة من داع ، فمنهم من يقول به جنة ومنهم من يقول صالح يعرفه الناس وكثير من الصالحين منهم من يعرفه الناس ولا يعرف نفسه ومنهم من يعرف نفسه ويعرفه الناس ، ومنهم من لا يعرف نفسه ولا يعرفه الناس وكثير ماهم ، ولعمري أؤلئك جميعا هم أوتاد الأرض الذين ترقوا في درجات الكمال الإنساني فعلي المكان بعلوهم وحفظ الله البلاد بذكرهم ( ألا بدكر الله تطمئن القلوب) وما كان كلب أصحاب الكهف يذكر لو لا علو مكانة أصحابه، وما ترقت القرية الي مدينة في قصة موسي مع العبد الصالح التي أقام فيها الجدار إلا لعلو شأن صاحب الجدار وحفظ الكنز الذي تحتها لأبنائه ، ثم نعود الي المبروك أو ظريف المدينة أو الدرويش كما يسمونه فإذا دلف الي سوق يستقبله التجار ومن يعرفون فضله ويؤمنون بصلاحه فيطلبون منه قرأة بعض الآي ويسألونه الفاتحه فيفعل ويعطونه ما قسم الله دون أن يطلب ، ويوما في مروره رأي أحد الباعة وهو يأكل في بعض التين وعندما رأه خبأ التين فلما وصل المبروك قال له يا الفقير أقرأ لي فما كان من المبروك إلا أن قرأ قوله تعالي ( والزيتون وطور السنين الي آخر السورة ) فاستنكر البائع ذلك وقال له لما لم تذكر أول السورة ( التين) فقال له المبروك التين في طرفك بارك الله فيك ، فهذا ذكرني صاحبنا حين قرأ قوله تعالي ( ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ) فلم يذكر الأموال إطلاقا فذهبنا الي المبروك وقلنا له إن صاحبنا لم يذكر الأموال في قوله تعالي فقال لنا ( ما ضل صاحبكم وما غوي) فتعجب جمعنا وقال الجميع فسر وأفصح أيها المبروك فقال لنا فأما الأموال عنده فلما يذكرها قضي الأمر الذي فيه تستفتيان فقد ترك لكم الجوع ونقص من الأنفس والثمرات وزاد هو في المال حمل بعير بل جبال أطربت بوتن وأحتفل بها الكرملن وتمايلت معها عصابات فاغنر وغني حاديهم سال من أرضها الذهب وجنت موسكو بلا تعب ، وغاب شعبنا ومضي به الزمان الي ماضي الحقب وعاش بين أمراض وتعب وكل خير من أرضه ذهب ولا ندري الي متي نحن في التعب نموت عطشي والسيل والنيل في طرب .

محمد عثمان المبارك